للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧٨٦ - مسألة؛ قال: (أَوْ بالْعَهْدِ)

وجُمْلَتُه أنَّه إذا حَلَفَ بالعَهْدِ، أو قال: وعَهْدِ اللَّهِ، وكَفالَتِه. فذلك يَمِينٌ، يجبُ تَكْفِيرُها إذا حَنِثَ فيها. وبهذا قال الحسنُ، وطاوسٌ، والشَّعْبِىُّ، والحارِثُ العُكْلِىُّ، وقَتادَةُ، والحكَمُ، والأوْزَاعِىُّ، ومالِكٌ. وحَلَفَت عائِشَةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، بالعَهْدِ أَنْ لا تُكَلِّمَ ابنَ الزُّبَيْرِ، فَلمَّا كَلَّمَتْه أعْتَقَت أرْبَعِينَ رَقَبَةً، وكانتْ إذا ذَكَرته [تَبْكِى] (١)، وتقول: واعَهْداهُ (٢). قال أحمد: العَهْدُ شديدٌ فى عَشَرَةِ مَواضِعَ فى (٣) كتابِ اللَّه: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (٤). ويتقرَّبُ إلى اللَّهِ تعالَى إذا حَلَفَ بالعَهْدِ [ثم حَنِثَ، بم] (٥) اسْتَطاعَ. وعائِشَة أَعْتَقَت أربَعِينَ رَقَبَةً، ثم تَبْكِى حَتّى تَبُلَّ خِمارَها، وتقول: واعَهْدَاهُ. وقال عَطاءٌ، وأبو عُبَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ: لا يكونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِىَ. وقال الشافِعِىُّ: لا يكونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِىَ اليَمِينَ بعَهْدِ اللَّهِ، الذى (٦) هو صِفَتُه. وقال أبو حنيفةَ: ليس بيَمِينٍ. ولَعَلَّهم ذَهَبُوا إلى أَنَّ العَهْدَ مِنْ صفاتِ الفِعْلِ، فلا يكونُ الحَلِفُ به يَمِينًا، كما لو قال: وخلْقِ اللَّهِ. وقد وافَقنا أبو حنيفةَ فى أنَّه إذا قال: عَلَىَّ عَهْدُ اللَّهِ ومِيثاقُه لأَفْعَلَنَّ. ثم حَنِثَ، أنَّه يَلْزَمُه الكَفَّارَةُ. ولَنا، أَنَّ عَهْدَ اللَّه يَحْتَمِلُ كلامَه الذى أمَرَنا به ونَهانا، كَقَوْلِه تعالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ} (٦). وكلامُه قَديمٌ صِفَةٌ له، ويَحْتَمِلُ أنَّه اسْتِحْقاقُه لما تَعَبَّدَنا بِه، وقد ثَبَتَ له عُرْفُ الاسْتِعْمالِ، فيَجِبُ أَنْ يكونَ يَمِينًا بإطْلاقِه، كما لو قال: وكلامِ اللَّهِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إنْ قال: عَلَىَّ عَهْدُ اللَّهِ ومِيثاقه لأَفْعَلَنَّ. أو قال: وعَهْدِ اللَّهِ ومِيثَاقِه لأَفْعَلَنَّ. فهو يَمِينٌ، وإِنْ قال: والعَهْدُ والميثاقُ لأَفْعَلَنَّ. ونَوَى عَهْدَ اللَّهِ، كان يَمِينًا؛ لأنَّه نَوَى الحَلِفَ بصِفَةٍ من صفاتِ اللَّه


(١) سقط من: ب.
(٢) أخرجه البخارى، فى: باب الهجرة وقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه، من كتاب الأدب. صحيح البخارى ٨/ ٢٥. وعبد الرزاق، فى: باب لا نذر فى معصية اللَّه، من كتاب الأيمان والنذور. المصنف ٨/ ٤٤٤، ٤٤٥.
(٣) فى أ، ب، م: "من".
(٤) سورة الإسراء ٣٤.
(٥) فى م: "وحنث ما".
(٦) سورة يس ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>