للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن سَرَقَ صَلِيبًا من ذَهَبٍ أو فِضًّة، يبْلغُ نِصابًا مُتَّصِلًا، فقال القاضي: لا قطعَ فيه. وهو قولُ أبى حنيفةَ. وقال أبو الخَطَّابِ: يُقْطَعُ سارِقُه (٥). وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِى. ووَجْهُ المذهَبَيْن ما تقدَّمَ. والفرقُ بينَ هذه المسألةِ وبينَ التي قبلَها، أنَّ التي قبلَها له كَسْرُه بحيثُ لا تَبْقَى له قِيمةٌ تَبْلُغُ نصابًا، وههُنا لو كُسِرَ الذهبُ والفِضَّةُ بكلِّ وَجْهٍ لم تنقُصْ قيمتُه عن النِّصَابِ، ولأنَّ الذهبَ والفضَّةَ جَوْهرُهما غالِبٌ على الصَّنْعَةِ المُحَرَّمَةِ، فكانتِ الصناعةُ فيهما مَغْمورَةً بِالنِّسْبَةِ إلى قِيمةِ جَوْهرِهما، وغيرُهما بخلافِهما، فتكونُ الصِّناعَةُ غالبةً عليه، فيكونُ تَابِعًا (٦) للصناعَةِ المُحَرَّمَةِ، فأشْبَهَ الإِناءَ. ولو سرقَ إناءً من ذهبٍ أو فِضَةٍ، قِيمتُه نِصَابٌ إذا كانَ مُتَكَسِّرًا، فعليه القَطْعُ؛ لأنَّه غيرُ مُجْمَعٍ على تَحْرِيمِه، وقِيمتُه بدُونِ الصناعَةِ المُخْتلَفِ فيها نِصَابٌ. وإن سَرَق إناءً مُعدًّا لحَمْلِ الخمرِ، ووَضْعِه فيه، ففيه القَطْعُ؛ لأنَّ الإِناءَ لا تَحْريمَ فيه، وإنَّما يحْرُمُ عليه بِنِيَّتِه وقَصْدِه، فأشْبَهَ ما لو سَرَقَ سِكِّينًا مُعَدَّةً (٧) لذَبْحِ الخنازيرِ، أو سيفًا يُعِدُّه لقَطْعِ الطَّرِيقِ. وإن سَرَقَ إناءً فيه خمرٌ يبلغُ نصابًا، فقال أبو الخَطَّابِ: يُقْطَعُ. وهو مذهبُ الشَّافِعِى؛ لأنَّه سَرَقَ نِصابًا من حِرْزِ مثلِه، لا شُبْهَةَ له فيه. وقال غيرُه من أصْحابِنا: لا يُقْطَعُ؛ لأنَّه تَبَعٌ لما لا قَطْعَ فيه، فأشْبَهَ ما لو سَرَقَ مُشْتَرَكًا بينَه وبينَ غَيرِه. قال أبو إسحاق بن شَاقْلَا: ولو سَرَقَ إداوةً أو إناءً فيه ماءٌ، فلا قَطْعَ فيه كذلك. ولو سَرَقَ مِنْدِيلًا في طَرَفِه دِينَارٌ مَشْدُودٌ، فعَلِمَ به، فعليه القَطْعُ، وإن لم يَعْلَمْ به (٥)، فلا قَطْعَ فيه؛ لأنَّه لم يَقْصِدْ سَرِقَتَه، فأشْبَهَ ما لو تعلَّق بثَوْبِهِ. وقال الشَّافِعِىُّ: يُقْطَعُ؛ لأنَّه سَرَقَ نِصابًا، فأشْبَهَ ما لو سَرَقَ ما لا (٨) يَعْلَمُ أنَّ قيمتَه نِصابٌ، والفرقُ بينَهما أنَّه عَلِمَ بالمسْروقِ ههُنا، وقصدَ سَرِقتَه، بخلافِ الدِّينارِ، فإنَّه لم يُرِدْهُ، ولم يقْصِدْ أخْذَه، فلا يُؤاخَذُ به بإيجابِ الحَدِّ عليه.


(٥) سقط من: الأصل.
(٦) في ب، م: "بائعا".
(٧) سقط من: ب.
(٨) في م: "لم".

<<  <  ج: ص:  >  >>