للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّه مُحرُّمٌ لعَيْنِه، فلم يُبَحْ للتَّدَاوِى، كلَحْمِ الخِنْزيرِ، ولأنَّ الضَّرُورةَ لا تنْدَفِعُ به (٢٨)، فلم يُبَحْ، كالتَّداوِى بها فيما لا تصْلُحُ له.

الفصل الخامس: أنَّ الحَدَّ إنَّما يَلْزَمُ مَن شَرِبَها عالمًا أنَّ كثيرهَا يُسْكِرُ، فأمَّا غيرُه، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّه غيرُ عالمٍ بتَحْرِيمِها، ولا قَاصِدٍ إلى ارْتكابِ الْمَعْصِيَةِ بها، فأشْبَهَ من زُفَّتْ إليه غيرُ زَوْجتِه. وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ. فأمَّا مَن شَرِبَها غيرَ عالمٍ بتَحْريمِها، فلا حَدَّ عليه أيضًا؛ لأنَّ عمرَ وعثمانَ قالا: لا حَدَّ إلَّا على مَن عَلِمَه (٢٩). ولأنَّه غيرُ عالمٍ بالتَّحْرِيمِ، أشْبَهَ مَن لم يَعْلَمْ أنَّها خَمْرٌ. وإذا ادَّعَى الجَهلَ بتَحْرِيمِها نظَرْنا؛ فإن كان ناشئًا ببلدِ الإِسلامِ بينَ المسلمين، لم تُقْبَلْ دَعْواهُ؛ لأنَّ هذا لا يكادُ يَخْفَى على مِثْلِه، فلا تُقبَلُ دَعْواهُ فيه. وإن كان حديثَ عهدٍ بإسْلامٍ، أو ناشئًا بباديةٍ بعيدةٍ عن البُلدانِ، قُبِلَ منه؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ ما قالَه.

فصل: ولا يجبُ الحَدُّ حتى يثْبُتَ شُرْبُه بأحَدِ شَيْئيْن؛ الإِقرارِ أو البَيِّنَةِ. ويكْفى في الإِقرارِ مَرَّةٌ واحِدَةٌ. في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ؛ لأنَّه حَدٌّ لا يتضَمَّنُ إتْلافًا، فأشْبَهَ حَدَّ القَذْفِ. وإذا رَجَعَ عن إقْرارِه قُبِلَ رُجوعُه؛ لأنَّه حَدٌّ للهِ سبحانه، فقُبِلَ رُجوعُه عنه، كسائرِ الحُدودِ. ولا يُعْتَبَرُ مع الإِقرارِ وُجودُ رائحةٍ. وحُكِىَ عن أبي حنيفةَ، لا حَدَّ عليه، إلَّا أن تُوجَدَ رائحةٌ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه أَحَدُ بَيِّنَتَىِ الشُّرْبِ، فلم يُعْتَبَرْ معه وُجودُ الرَّائحةِ، كالشَّهادَةِ، ولأنَّه قد يُقِرُّ بعدَ زوالِ الرائحةِ عنه، ولأنَّه إقْرارٌ بحَدٍّ، فاكتُفِىَ به، كسائرِ الحُدودِ.

فصل: ولا يجبُ الحَدُّ بوُجودِ رائحةِ الخمرِ مِن فِيهِ. في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ. وروَى أبو طالبٍ، عن أحمدَ، أنَّه يُحَدُّ بذلك. وهو قولُ مالِكٍ؛ لأنَّ ابنَ مسعودٍ جَلَدَ رجلًا وَجَدَ منه رائحةَ الخمرِ (٣٠). ورُوِىَ عن عمرَ،


(٢٨) في ب: "تدفع".
(٢٩) تقدم تخريجه، في صفحة ٣٤٥.
(٣٠) أخرجه البخاري، في: باب القراء من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب فضائل القرآن. صحيح البخاري =

<<  <  ج: ص:  >  >>