للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو العِلْمُ بعَيْنِ المالكِ، فكَفَاه يمينٌ واحدةٌ، كما لو ادَّعَياها فأقَرَّ بها لأحَدِهِما، ويُفارِقُ ما إذا أَنْكَرَهَا (٢)؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَدَّعِى عليه أنَّها له، فهما دَعْوَيانِ، فإنَّ حَلَفَ أُقْرِعَ بينهما، فمن قَرَعَ صاحِبَه حَلَفَ، وسُلِّمَتْ إليه. وقال الشَّافعىُّ: يَتَحالفانِ، ويُوقَف الشىءُ بينَهما حتَّى يَصْطَلِحَا. وهو قولُ ابنِ أبى لَيْلَى؛ لأنَّه لا يَعْلَمُ المالِكَ منهما. وللشَّافِعىِّ قولٌ آخرُ، أنَّها تُقْسَمُ بيهما، كما لو أَقَرَّ بها لهما. وهذا (٣) الذى حَكاه ابنُ المُنْذِرِ عن ابنِ أبِى لَيْلَى، وهو قولُ أبى حنيفةَ وصاحِبَيْه فيما حُكِىَ عنهم، قالوا: ويَضْمَنُ المُسْتَوْدَعُ نِصْفَها لكلِّ واحدٍ منهما؛ لأنَّه فَوَّتَ ما اسْتُودِعَ بجَهْلِه. ولَنا، أنَّهما تَساوَيا فى الحَقِّ فيما [ليس بأَيْديِهما] (٤)، فوَجَبَ أن يُقْرَعَ بينهما، كالعَبْدَيْنِ إذا أعْتَقَهُما فى مَرَضِه فلم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا أحَدُهما، أو كما لو أرادَ السَّفَرَ بإحْدَى نِسائِه. وقولُ أبى حنيفةَ ليس بصَحِيحٍ؛ فإنَّ العَيْنَ لم تَتْلَفْ، ولو تَلِفَتْ بغيرِ تَفْريطٍ منه فلا ضَمانَ عليه، ليس فى جَهْلِه تَفْرِيطٌ، إذ ليس فى وُسْعِه أن لا يَنْسَى ولا يَجْهَلَ.

١٠٧٤ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أُودِعَ شيْئًا، فَأَخَذَ بَعْضَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ أو مِثْلَهُ، فَضَاعَ الْكُلُّ، لَزِمَهُ مِقْدَارُ ما أَخَذَ)

وجملتُه أَنَّ مَن أَودِعَ شيئًا، فأخذَ بعضَه، لَزِمَه ضَمانُ ما أخَذ، فإن رَدَّه أو مثلَه، لم يَزُلِ الضَّمانُ عنه. وبهذا قال الشَّافعىُّ. وقال مالِك: لا ضَمانَ عليه إذا رَدَّه أو مثلَه. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: إن لم ينفِقْ ما أخذَه، ورَدَّهُ (١)، لم يَضْمَنْ، وإن أَنْفَقَه ثمَّ رَدَّه أو مثلَه ضَمِنَ. ولَنا، أَنَّ الضَّمانَ تعلَّق بذِمَّتِه بالأخْذِ، بدليلِ أَنَّه لو تَلِفَ فى يدِه قبلَ رَدِّه ضَمِنَه، فلا يزُولُ إلَّا برَدِّه إلى صاحبِه كالمَغْصُوبِ. فأَمَّا سائرُ الوديعةِ، فيُنْظَرُ فيه؛ فإن كان فى كِيس مَخْتومٍ أو مَشْدودٍ، فكَسَرَ الخَتْمَ أو حَلَّ الشَّدَّ، ضَمِنَ، سَواءٌ


(٢) فى أ، م: "أنكرهما".
(٣) فى ب: "وهو".
(٤) فى ب: "بينهما".
(١) فى أ، ب: "ورد".

<<  <  ج: ص:  >  >>