للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل (٤١): ولا يجوزُ أن يقْتَصَّ من حامِلٍ قبلَ وَضْعِها، سواءٌ كانت حامِلًا وقتَ الجنايةِ، أو حَمَلَتْ بعدَها قبلَ الاسْتِيفاءِ، وسواءٌ كان القِصاصُ في النَّفْسِ أو في الطَّرَفِ؛ أمَّا في النَّفْسِ فلِقَوْلِ اللَّه تعالى: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (٤٢). وقَتْلُ الحاملِ قتلٌ لغيرِ القاتلِ، فيكونُ إسْرافًا. ورَوَى ابن ماجَه (٤٣)، بإسنادِه عن عبدِ الرحمنِ بن غَنْمٍ، قال: ثنا مُعاذُ بن جَبَلٍ، وأبو عُبَيْدةَ بن الجَرَّاحِ، وعُبَادةُ بن الصامِتِ، وشَدَّادُ بن أوْسٍ، قالوا: إنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ عَمْدًا، لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ مَا في بَطْنِها إنْ كَانَتْ حَامِلًا، وحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا، وإنْ زَنَتْ، لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بطْنِها، وحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَها". وهذا نَصٌّ، ولأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للْغامِدِيَّةِ المُقِرَّةِ بالزِّنَى: "ارْجِعِى حَتَّى تَضَعِى مَا فِي بَطْنِكِ". ثم قال لها: "ارْجِعِى حَتَّى تُرْضِعِيهِ" (٤٤). ولأنَّ هذا إجْماعٌ من أهلِ العلمِ لا نعلمُ بينهم فيه اخْتِلافًا. وأمَّا القِصاصُ في الطَّرفِ، فلأنَّنا مَنَعْنا الاسْتِيفاءَ فيه خَشْيةَ السِّرَايةِ إلى الجانِى، أو إلى زِيادَةٍ في حَقِّه، فَلأَنْ نَمْنَعَ منه خَشْيةَ السِّرايةِ إلى غيرِ الجانِى، وتَفْوِيتِ (٤٥) نَفْسٍ مَعْصُومةٍ، أَوْلَى وأَحْرَى، ولأنَّ في القِصاصِ منها قَتْلًا لغيرِ الجانِى، وهو حَرامٌ. وإذا وضَعَتْ، لم تُقْتَلْ حتى تَسْقِىَ الوَلَدَ اللِّبَأَ؛ لأنَّ الوَلَدَ لا يَعِيش إلَّا به في الغالِبِ، ثم إن لم يَكُنْ للوَلَدِ مَنْ يُرْضِعُه، لم يَجُزْ قَتْلُها حتى يَجِىءَ أوَانُ فِطَامِه؛ لما ذكرْنا من الخَبَرَيْنِ، ولأنَّه لمَّا أُخِّرَ الاسْتِيفاءُ لحِفْظهِ وهو حَمْلٌ، فَلأنْ يُؤَخَّرَ لحِفْظِه بعدَ وَضْعِه أَوْلَى، إلَّا أن يكونَ القِصاصُ فيما دُونَ النَّفْسِ، ويكونَ الغالبُ بقاءَها، وعَدَمَ ضَرَرِه بالاسْتِيفاءِ منها، فيُسْتَوْفَى. وإن وُجِدَ له مُرْضِعَةٌ راتِبةٌ، جاز قَتْلُها؛ لأنَّه يَسْتَغْنِى بلَبَنِها، وإن كانتْ مُتَرَدِّدةً، أو


(٤١) سقط هذا الفصل كله من: ب.
(٤٢) سورة الإسراء ٣٣.
(٤٣) في: باب الحامل يجب عليها القود، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٩٨، ٨٩٩.
(٤٤) أخرجه مسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود. صحيح مسلم ٣/ ١٣٢٢، ١٣٢٣. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في الرجم، من كتاب الحدود. الموطأ ٢/ ٨٢١، ٨٢٢. وانظر الجزء الثاني عشر صفحة ٣١١، ٣١٢.
(٤٥) سقطت الواو من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>