للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقَصَ منها، فبِحِسابِ ذلك، فإن كان فيها كَسْرٌ، مثل أن يكونَ ثلثُه حُرًّا، فمُقْتضَى ما ذكَرْنَاه أنْ يلْزَمَه ثُلُثا جَلْدِ الحُرِّ. وهو ستٌّ وستُّون جلدةً وثُلُثان، فيَنْبغِى أن يسْقُطَ الكسرُ؛ لأنَّ الحدَّ متى دارَ بينَ الوُجوبِ والإِسْقاطِ، سَقَطَ. والمُدَبَّرُ والمُكاتَب وأمُّ الولدِ، بِمَنْزِلَةِ القِنِّ في الحَدِّ؛ لأنَّه رقِيقٌ كلُّه، وقد رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "المُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِىَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" (٤٥).

١٥٥٥ - مسألة؛ قال: (وَالزَّانِى مَنْ أَتَى الْفَاحِشَةَ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ)

لا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ، في أنَّ مَنْ وَطِئَ امرأةً في قُبُلِهَا حَرَامًا لا شُبْهَةَ له في وَطْئِها، أنَّه زَانٍ يَجِبُ عليه حَدُّ الزِّنَى، إذا كَمَلَتْ شُرُوطُه. والوطءُ في الدُّبُرِ مثلُه في كَوْنِه زِنًى؛ لأنَّه وَطْءٌ في فَرْجِ امرأةٍ، لا مِلْكَ له فيها، ولا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فكان زِنًى، كالوطءِ في القُبُلِ؛ ولأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} (١). الآية. ثم بَيَّنَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قد جَعَلَ اللَّه لَهُنَّ سَبِيلًا: "البِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِائةٍ وتَغْرِيبُ عَامٍ" (٢). وَالْوَطءُ في الدُّبُرِ فَاحِشَةٌ، بقوله تعالى في قومِ لُوطٍ: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} (٣). يعني الوَطْءَ في أدْبارِ الرِّجَالِ، ويُقالُ: أوَّلُ ما بدأَ قومُ لُوطٍ بَوطْءِ النِّساءِ في أدْبارِهِنَّ، ثم صارُوا إلى ذلك في الرِّجالِ.

فصل: وإن وَطِئَ مَيِّتَةً، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، عليه الحَدُّ. وهو قولُ الأوْزَاعيِّ؛ لأنَّه وَطِئَ في فَرْجِ آدَمِيَّةٍ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الحَيَّةِ، ولأنَّه أعْظَمُ ذَنْبًا، وأكثرُ إثمًا؛ لأنَّه انْضَمَّ ألى فاحِشَتِه (٤) هَتْكُ حُرْمَةِ المَيِّتَةِ. والثانى، لا حَدَّ عليه. وهو قولُ


(٤٥) تقدم تخريجه، في: ٩/ ١٢٥.
(١) سورة النساء ١٥.
(٢) تقدم تخريجه، في صفحة ٣٠٨.
(٣) سورة النمل ٥٤.
(٤) في م: "فاحشة".

<<  <  ج: ص:  >  >>