للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمْصارِ، لا يُجِيزُونَ رَكْعَةً، والذي قال منهم رَكْعَةً، إنَّما جَعَلَها عندَ شِدَّةِ القِتالِ، والذين رَوَيْنا عنهم صلاةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَكْثَرُهم لم يَنْقُصُوا عن رَكْعَتَيْنِ، وابنُ عَبَّاسٍ لم يكنْ ممَّن يَحْضُرُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في غَزَوَاتِه، ولا يَعْلَمُ ذلك إلَّا بالرِّوَايَةِ عن غيرِه، فالأخْذُ بِرِوايَةِ مَن حَضَرَ الصلاةَ وصَلَّاهَا مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أوْلَى.

فصل: ومتى صَلَّى بهم صلاةَ الخَوْفِ، من غير خَوْفٍ، فصلاتُه وصلاتُهم فاسِدَةٌ؛ لأنَّها لا تَخْلُو من مُفَارِقِ إمامِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وتارِكِ مُتابَعَةِ إمامِه في ثلاثَةِ أرْكانٍ، أو قاصرٍ لِلصلاةِ مع إتمامِ إمامِهِ، وكلُّ ذلك يُفْسِدُ الصلاةَ، إلَّا مُفارَقَةَ الإِمامِ لغيرِ عُذْرٍ، على اخْتِلافٍ فيه. وإذا فَسَدَتْ صلاتُهم، فَسَدَتْ صلاةُ الإِمامِ؛ لأنَّه صَلَّى إمَامًا بمَن صلاتُه فَاسِدَةٌ، إلَّا أنْ يُصَلِّىَ بهم صلاتَيْنِ كامِلَتَيْنِ؛ فإنَّه تَصِحُّ صلاتُه، وصلاةُ الطَّائِفَةِ الأُولَى، وصلاةُ الثانيةِ تَنْبَنى (٣٣) على ائْتِمامِ المُفْتَرِضِ بالمُتَنَفِّلِ، وقد نَصَرْنَا جَوازَهُ.

٣١٧ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ شَدِيدًا، وَهُمْ فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ، صَلَّوْا رِجَالًا ورُكْبَانًا، إلَى القِبْلَةِ وإلَى غيرِها، يُومِئُونَ إيمَاءً، يَبْتَدِئُونَ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ إلَى القِبْلَةِ إنْ قَدَرُوا، أوْ إلى غَيْرِهَا).

إمَّا إذا اشْتَدَّ الخَوْفُ، والْتَحَمَ القِتالُ، فلهم أن يُصَلُّوا كيفما أَمْكَنَهم؛ رِجالًا ورُكْبَانًا، إلى القِبْلَةِ إن أمْكَنَهم، وإلى غيرِها إنْ لم يُمْكِنْهم، يُومِئُونَ بالرُّكُوعِ والسُّجُودِ على قَدْرِ الطَّاقَةِ، ويَجْعَلُونَ السُّجُودَ أخْفَضَ من الرُّكُوعِ، ويَتَقَدَّمُونَ ويَتَأَخَّرُونَ، ويَضْرِبُونَ ويَطْعَنُونَ، ويَكِرُّونَ ويَفِرُّونَ، ولا يُؤَخِّرُونَ الصلاةَ عن وَقْتِها. وهذا قولُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وقال أبو حنيفةَ، وابنُ أبي لَيْلَى: لا يُصَلِّى مع المُسايَفَةِ، ولا مع المَشْىِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُصَلِّ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وأَخَّرَ الصلاةَ،


(٣٣) في أ، م: "تبنى".

<<  <  ج: ص:  >  >>