للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِصاصُ في المَقْطُوعةِ حَسْبُ والأرْشُ (٢٧) في الشَّلَّاءِ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وقال أبو حنيفةَ: لا قِصاصَ فيهما، ويَجِبُ أرْشُهُما جميعًا؛ لأنَّ حُكْمَ السِّرَايةِ لا يَنْفَرِدُ عن الجِنايةِ، بدليلِ ما لو سَرَتْ إلى النَّفْسِ، فإذا لم يَجِبِ القصاصُ في إحْداهما، لم يَجِبْ في الأُخْرَى. ولَنا، أنَّها جِنايةٌ مُوجِبةٌ للقِصاصِ لو لم تَسْرِ، فأوْجَبَتْه إذا سَرَتْ، كالتى تَسْرِى إلى سُقُوطِ أُخْرَى، وكما لو قَطَعَ يَدَ حُبْلَى فسَرَى إلى جَنِينِها. وبهذا يَبْطُلُ ما ذكَرَه (٢٨). وفارَقَ الأصْلَ؛ لأنَّ السِّرَايةَ مُقْتَضِيةٌ للقِصاصِ، كاقْتِضاءِ الفِعْلِ له، فاسْتَوَى حُكْمُهما، وههُنا بخِلافِه، ولأنَّ ما ذكَره (٢٨) غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ القَطْعَ إذا سَرَى إلى النَّفْسِ، سَقَطَ القِصاصُ في القَطْعِ، ووَجَبَ في النَّفْسِ، فخالَفَ حكمُ الجِنايةِ حكمَ السِّرَايةِ، فسَقَطَ ما قاله. إذا ثَبَتَ هذا، فإن الأرْشَ يَجِبُ في مالِه، ولا تَحْمِلُه العاقِلَةُ؛ لأنَّه جِنايةُ عَمْدٍ، وإنَّما لم يَجِبِ القِصاصُ فيه لعَدَمِ المُماثلةِ في القَطْعِ (٢٩) والشَّلَلِ، فإذا قَطَعَ إصْبَعَه فشَلَّتْ أصابِعُه الباقِيةُ وكَفُّه، فعَفَا عن القِصاصِ، وَجَبَ له نِصْفُ الدِّيَةِ، وإن اقْتَصَّ من الإِصْبَعِ، فله في الأصابعِ الباقيةِ أربعونَ من الإِبِلِ، ويَتْبَعُها ما حاذَاها من الكَفِّ، وهو أرْبَعةُ أخماسِه، فيَدْخُلُ أرْشُه فيها، ويَبْقَى خُمْسُ الكَفِّ فيه وَجْهان؛ أحدهما، يَتْبَعُها في الأرْشِ، فلا (٣٠) شىءَ فيه. والثانى، فيه الحكومةُ؛ لأنَّ ما يُقابِلُ الأرْبَعَ تَبِعَها في الأرْشِ؛ لِاسْتِوائِهِما في الحُكْمِ، وحُكْمُ التي اقْتصَّ منها مُخالِفٌ لحُكْمِ الأرْشِ، فلم يَتْبَعْها.

فصل: ولا يجوزُ القِصاصُ في الطَّرَفِ إلَّا بعدَ انْدِمالِ الجُرْحِ، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، منهم؛ النَّخَعِىُّ، والثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ، ومالكٌ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. ورُوِىَ ذلك عن عَطاءٍ، والحسنِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: كلُّ مَنْ نَحْفَظُ عنه من أهلِ العلمِ


(٢٧) سقطت الواو من: الأصل، م.
(٢٨) في ب: "ذكروه".
(٢٩) في النسخ: "قطع".
(٣٠) في ب، م: "ولا".

<<  <  ج: ص:  >  >>