للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أطعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ، بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ" (٣٤). ولأنَّه مالٌ وَجَبَ للفُقَراءِ شَرْعًا، فوَجَبَ تَمْليكُهم إيَّاه كالزَّكاةِ. فإنْ قُلْنا: يُجْزِئُ. اشْتُرِطَ أَنْ يُغَدِّيَهم بِسِتِّينَ مُدًّا فصاعِدًا؛ ليكونَ قد أطْعَمَهم قَدْرَ الواجبِ. وإِنْ قُلْنا: لا يُجْزِئُه أَنْ يُغَدِّيَهمْ، فقَدَّمَ إليهم ستِّينَ مُدًّا، وقال: هذا بينَكم بالسَّوِيَّة. فقَبِلُوه، أجْزَأ؛ لأنَّه مَلَّكَهم التَّصَرُّفَ فيه والانتفاعَ قَبْلَ القِسْمَةِ. وهذا ظاهِرُ مذهبِ الشّافعىِّ. وقال أبو عبدِ اللَّه ابن حامدٍ: يُجْزِئُه، وإِنْ لم يَقُلْ: بالسَّوِيَّة؛ لأنَّ قولَه: خُذُوها عن كَفَّارتى. يَقْتَضِى التَّسْوِيَةَ؛ لأنَّ ذلك حُكْمُها. وقال القاضِى: إنْ عَلِمَ أنَّه وَصَلَ إلى كُلِّ واحدٍ قَدْرُ حَقِّه، أجْزَأ، وإِنْ لم يَعْلَم، لم يُجْزِئْه؛ لأنَّ الأصْل شَغْلُ ذِمَّتِه، ما لم يَعْلَم وُصُولَ الحَقِّ إلى مُسْتَحِقِّه. ووَجْهُ الأوّلِ، أنَّه دَفَعَ الحقَّ إلى مُسْتَحِقّه مُشَاعًا، فقَبِلُوه، فبَرِئَ منه، كدُيُونِ غُرَمائِه.

فصل: ولا يَجِبُ التَّتابُعُ فى الإِطعامِ. نَصَّ عليه أحمدُ، فى روايةِ الأثْرَمِ، وقيل له: تكونُ عليه كفّارةُ يمينٍ، فَيُطْعِمُ اليومَ واحدًا، وآخَرَ بعدَ أيّامٍ، وآخَرَ بَعْدُ (٣٥) حتى يَسْتَكْمِل عَشْرَةً؟ فلم يَرَ بذلك بأسًا؛ وذلك لأنَّ اللَّه تعالى لم يَشْتَرِطِ التَّتابُعَ فيه. ولو وَطِئَ فى أثناءِ الإِطعامِ، لم تَلْزَمْه إعادةُ ما مَضَى منه. وبه قال أبو حنيفةَ، والشّافعىُّ. وقال مالكٌ: يَسْتَأْنِف؛ لأنَّه وَطِئَ فى أثناءِ كفَّارةِ الظِّهارِ، فوَجَبَ الاستئنافُ، كالصِّيامِ. ولَنا، أنَّه وَطِئَ فى أثناء ما لا يُشْتَرَط التَّتابُعُ فيه، فلم يُوجِب الاستئنافَ، كوَطْءِ غيرِ المُظَاهَرِ منها، أو كالوَطْءِ فى كَفّارةِ اليمينِ، وبهذا فارَق الصِّيامَ.

١٣٢١ - مسألة؛ قال: (وَلَوْ أعْطَى مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ فى يَوْمٍ وَاحِدٍ، أجْزَأَ، فِى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)

وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه دَفَعَ القَدْر الواجبَ إلى العَدَدِ الواجبِ، فأجْزَأ، كما لو دَفَع إليه المُدَّيْن فى يَوْمَيْنِ. والأُخرَى، لا يُجْزِئُه. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه اسْتَوْفَى قُوتَ


(٣٤) تقدم تخريجه فى: ٥/ ١١٥, ١١٦.
(٣٥) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>