للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمِينِكَ" (٦). ولَم يقُلْ: فاسْتَثْنِ. ولو جازَ الاسْتِثْناءُ فى كُلِّ حالٍ، لم يَحْنَثْ حانِثٌ به. وعن أحمدَ، رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّه يجوزُ الاسْتِثْناءُ إذا لم يَطُل الفَصْلُ بينَهما. قال، فى رِوايَةِ الْمَرُّوذِىِّ: حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وَاللَّهِ لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا". ثم سَكَتَ، ثم قال: "إنْ شاءَ اللَّهُ" (٧). إنَّما هو استثناءٌ بالقُرْبِ، ولم يخْلِطْ كلامَه بغَيْرِه. ونَقلَ عنه إسماعيلُ بنُ سعيدٍ مثلَ هذا، وزاد قال: ولا أقولُ فيه بقَوْلِ هؤلاء. يَعْنِى مَنْ لم يَرَ (٨) ذلك إلَّا مُتَّصِلًا. ويَحْتَمِلُ كلامُ الْخِرَقِىِّ هذا؛ لأنَّه قال: إذا لم يكُنْ بينَ الْيَمِينِ والاسْتِثْناءِ كلامٌ. ولم يَشْتَرِط اتِّصَالَ الكلامِ وعدمَ السُّكوتِ. وهذا قولُ الأوْزَاعِىِّ، قال فى رَجُلٍ حَلَفَ: لا أفْعَل كذا وكذا. ثم سَكَتَ ساعَةً لا يتكَلَّمُ، ولا يُحدِّث نفسَه بالاسْتِثْناءِ، فقال (٩) له إنسانٌ: قُلْ: إنْ شاءَ اللَّه. فقال: إنْ شاءَ اللَّه. أيُكَفِّرُ يَمِينَه؟ قال: أراه قد اسْتَثْنَى. وقال قَتادَةُ: له أَنْ يَسْتَثْنِىَ قبلَ أَنْ يقومَ أو يتَكَلَّمَ. ووَجْهُ ذلك، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَثْنَى بعدَ سُكوتِه، إذْ قال: "وَاللَّهِ لأَغزُوَنَّ قُرَيْشًا". ثم سكَتَ، ثم قال: "إنْ شَاءَ اللَّهُ". احْتَجَّ به أحمدُ، وروَاه أبو داود، وزادَ: قال الوليدُ بنُ مُسْلِمٍ: ثم لم يَغْزُهم. ويُشْترَطُ، على هذه الرِّوايَةِ، أَنْ لا يُطِيلَ الفَصْلَ بينَهما، ولا يَتَكَلَّمَ بينهما بكلامٍ أجْنَبِىٍّ. وحَكَى ابنُ أبى موسى، عن بعضِ أصْحابِنا، أنَّه قال: يصِحُّ الاسْتِثْناءُ ما دامَ فى المجلِسِ. وحُكِىَ ذلك عن الحسنِ، وعَطاءٍ. وعن عَطاءٍ أنَّه قال: قَدْرُ حَلْبِ النَّاقَةِ الغَرُوزَةِ (١٠). وعن ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ له أَنْ يَسْتَثْنِىَ بعدَ حِينٍ (١١). وهو قولُ مُجاهِدٍ. وهذا القولُ لا يَصِحُّ؛ لما ذكَرْناه، وتَقْديرُه بمجلِسٍ أو غيرِه لا يصْلُحُ؛ لأنَّ التَّقْديراتِ بابُها التَّوْقِيفُ، فلا يُصارُ إليها بالتَّحَكُّمِ.

فصل: ويُشْتَرطُ أَنْ يَسْتَثْنِىَ بلسانِه، ولا ينفَعُه الاسْتِثْناءُ بالقَلْبِ. فى قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ؛ منهم الحسنُ، والنَّخَعِىُّ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ،


(٦) تقدم تخريجه فى: ١١/ ٣٩.
(٧) تقدم تخريجه، فى صفحة ٤٣٩.
(٨) فى الأصل: "يرد".
(٩) فى ب: "ثم قال".
(١٠) فى النسخ: "العزوزة". وغرزت الناقة: قل لبنها.
(١١) أخرجه البيهقى، فى: باب الحالف يسكت بين يمينه واستثنائه، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى ١٠/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>