للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِيَاقِ الحَدِيثِ، حين أخْبَرَهُ بالقَضاءِ: "الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ". ويُفَارِقُ الضَّمَانُ الحَوَالَةَ؛ فإنَّ الضَّمانَ مُشْتَقٌّ من الضَّمِّ، فيَقْتَضِى الضَّمَّ بين الذِّمَّتَيْنِ في تَعَلُّقِ الحَقِّ بهما وثُبُوتِه فيهما. والحَوَالَةُ من التَّحَوُّلِ، فتَقْتَضِى تَحَوُّلَ الحَقِّ من مَحَلِّه إلى ذِمَّةِ المُحالِ عليه. وقولهم: إنَّ (٧) الدَّيْنَ الواحِدَ لا يَحِلُّ في مَحَلَّيْنِ. قُلْنا: يجوزُ تَعَلُّقُه بمَحَلَّيْنِ على سَبِيلِ الاسْتِيثَاقِ، كتَعَلُّقِ دَيْنِ الرَّهْنِ به وبِذِمَّةِ الرَّاهِنِ. وقال أبو بكرٍ عبدُ العزيزِ: أمَّا الحَىُّ فلا يَبْرَأ بمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، رِوَايَةً واحِدَةً، وأمَّا المَيِّتُ ففى بَرَاءَتِه بمُجَرَّدِ الضَّمَانِ رِوَايَتانِ؛ إحْداهما، يَبْرَأُ بمُجَرَّدِ الضَّمَانِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايَةِ يوسفَ بن موسى؛ لما ذَكَرْنا من الخَبَرَيْنِ، ولأنَّ فَائِدَةَ الضَّمَانِ في حَقِّه تَبْرِئَةُ ذِمَّتِه؛ فيَنْبَغِى أن تَحْصُلَ هذه الفَائِدَةُ بمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، بِخِلَافِ الحَىِّ، فإنَّ المَقْصُودَ من الضَّمَانِ في حَقِّه الاسْتِيثَاقُ بالحقِّ (٨)، وثُبُوتُه في الذِّمَّتَيْنِ آكَدُ في الاسْتِيثَاقِ (٩). والثانية، لا يَبْرَأُ إلَّا بالأدَاءِ؛ لما ذَكَرْنَاهُ، ولأنَّه ضَمانٌ، فلا يَبْرَأُ به المَضْمُونُ عنه كالحَىِّ.

فصل: ولِصاحِبِ الحَقِّ مُطَالَبَةُ مَن شاءَ منهما. وحُكِىَ عن مالكٍ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عنه، أنَّه لا يُطَالِبُ الضَّامِنَ إلَّا إذا تَعَذَّرَ مُطَالَبَةُ المَضْمُونِ عنه؛ لأنَّه وَثِيقَةٌ، فلا يُسْتَوْفَى الحَقُّ منها إلَّا عند تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِه من الأَصْلِ، كالرَّهْنِ. ولَنا، أنَّ الحَقَّ ثَابِتٌ في ذِمَّةِ الضَّامِنِ، فمَلَكَ مُطَالَبَتَه، كالأصِيلِ، ولأنَّ الحَقَّ ثَابِتٌ في ذِمَّتِهِما، فمَلَكَ مُطالَبَةَ مَن شاءَ منهما، كالضَّامِنَيْنِ إذا تَعَذَّرَتْ مُطَالَبَةُ المَضْمُونِ عنه. ولا يُشْبِهُ الرَّهْنَ؛ لأنَّه مَالُ مَن عليه الحَقُّ، وليس بِذِى ذِمَّةٍ يُطَالِبُ، إنَّما يُطَالِبُ مَن عليه الدَّيْنُ، لِيَقْضِىَ منه أو من غيرِه.


(٧) سقط من: الأصل.
(٨) سقط من: م.
(٩) في أ، م زيادة: "بالحق".

<<  <  ج: ص:  >  >>