للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أحاديثُهم لا تُعَارِضُ حديثَنا؛ فإنَّها تَدُلُّ على جوازِ التَّيَمُّمِ بِضَرْبَتَيْنِ، ولا يَنْفِى ذلك جَوَازَ التَّيمُّمِ بضَرْبَةٍ، كما أنَّ وُضُوءَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثًا ثلاثًا لا يَنْفِى الإِجْزَاءَ بمَرَّةٍ (١٣) واحدَةٍ. فإنْ قِيل: فقد رُوىَ في حديثِ عَمَّار: إلَى المِرْفَقَيْنِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ بالكَفَّيْنَ اليَدَيْنِ إلى المِرْفَقَيْنِ. قُلْنا: أمَّا حديثُه إلى المِرْفَقَيْنِ، فلا يُعَوَّل عليه، إنَّما رَوَاهُ سَلَمَةُ (١٤)، وشَكَّ فيه، فقال له منصور (١٥): ما تقُولُ فيه، فإنَّه لا يَذْكُرُ الذِّرَاعَيْنِ أحَدٌ غَيْرَك؟ فشَكَّ، وقال: لا أَدْرِى، أذَكَرَ الذِّرَاعَيْنِ، أم لا؟ قال ذلك النَّسَائِيُّ (١٦). فلا يَثْبُتُ مع الشَّكِّ، وْقد أُنْكِرَ عليه، وخالف به سائِرَ الرُّوَاةِ الثِّقاتِ، فكيف يُلْتَفَتُ إلى مِثْلِ هذا؟ وهو لو انْفَرَدَ لم يُعَوَّلْ عليه، ولم يُحْتَجَّ به. وأمَّا التَّأْوِيلُ فباطلٌ؛ لِوُجُوهٍ (١٧): أحدُها، أنَّ عَمَّارًا الرَّاوِىَ له الحَاكِىَ لِفِعْل النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَفْتَى بعدَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في التَّيمُّمِ لِلْوَجْهِ والكَفَّيْنِ عَمَلًا بالحديثِ. وقد شاهَدَ فِعْلَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والفِعْلُ لا احْتِمَالَ فيه. والثاني، أَنَّه قال ضَرْبَةً واحِدَةً، وهم يقولون ضَرْبتانِ. والثالثُ، أنَّنا لا نَعْرِفُ في اللُّغَةِ التَّعْبِيرَ بالكَّفَّيْنِ عَن الذِّرَاعَيْنِ. والرابعُ، أنَّ الجَمْعَ بينَ الخَبَرَيْنِ بما ذَكَرْنَاهُ مِنْ أنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِن الفِعْلَيْنِ جائِزٌ أَقرَبُ مِنْ تَأْوِيلِهِم وأَسْهَلُ، وقِيَاسُهُم يَنْتَقِضُ بالتَّيَمُّمِ عن الغُسْلِ الوَاجِبِ، فإنَّهُ يَنْقُصُ عَنِ المُبْدَلِ، وكذلك في الوُضُوءِ، فإنَّه في أربعةِ أعْضَاء، والتَّيَمُّمُ في عُضْوَيْن، وكذا نقولُ في الوَجْهِ، فإنَّه لا يجبُ مَسْحُ ما تحت الشُّعُورِ الخفيفةِ، ولا المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشَاقُ.

فصل: ولا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ أنَّه يُجْزِىءُ التَّيَمُّمُ بِضَرْبَةٍ واحِدَةٍ وبِضَرْبَتَيْنِ،


(١٣) في م: "مرة".
(١٤) أي: سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمى الكوفى، أبو يحيى، متقن للحديث، توفى سنة اثنتين وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب ٤/ ١٥٥ - ١٥٧.
(١٥) أبو عتَّاب منصور بن المعتمر بن عبد اللَّه السلمى الكوفى، كان لا يروى إلا عن ثقة، توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب ١٠/ ٣١٢ - ٣١٥.
(١٦) في: نوع آخر من التيمم، من كتاب الطهارة. المجتبى ١/ ١٣٨.
(١٧) في الأصل: "بوجوه".

<<  <  ج: ص:  >  >>