للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك له، فقال: "إنَّما كَانَ يَكْفِيكَ أنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا"، ثم ضربَ بِيَدَيْهِ الأرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثم مَسَحَ الشِّمَالَ على اليَمِينِ، وظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ. مُتَّفَقٌ عليه (٦). ولأنَّه حُكْمٌ عُلِّقَ على مُطْلَقِ اليدينِ فلم يَدْخُلْ فيه الذِّراعُ، كقَطْعِ السَّارِقِ، ومَسِّ الفَرْجِ، وقد احْتَجَّ ابنُ عَبَّاس بهذا فقال: إنَّ اللهَ تعالى قال في التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (٧) وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (٨). وكانت السُّنَّةُ في القَطْعِ مِن الكَفَّيْنِ، إنَّما هو الوَجْهُ والكَفَّان. يَعْنِى التَّيَمُّمَ. وأمَّا أحاديثُهم فضعيفةٌ. قال الخَلَّالُ: الأحاديثُ في ذلك ضعيفةٌ جِدًّا، ولم يَرْوِ منها أصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا حديثَ ابنِ عُمَرَ. وقال أحمدُ: ليس بِصَحِيحٍ عَن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، إنَّما هو عَن ابنِ عُمَرَ، وهو عِندَهم حديثٌ مُنْكَرٌ. وقال الخَطَّابِىُّ (٩): يَرْوِيهِ محمدُ بنُ ثابِت، وهو ضَعِيفٌ (١٠). وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ محمدِ بن ثابِت، وبه يُعْرَفُ، ومِنْ أَجْلِه يضْعُفُ (١١) عندَهم، وهو حديثٌ مُنْكَرٌ (١٢). وحَدِيثُ ابنِ الصِّمَّةِ صَحِيحٌ، لكن إنَّما جَاءَ في المُتَّفَقِ عليه: فمَسحَ وَجْهَهُ ويَدَيْهِ. فيكون حُجَّةً لنا؛ لأنَّ ما عُلِّقَ على مُطْلَقِ اليَدَيْنِ لا يَتَنَاوَلُ الذِّرَاعَيْنِ.


(٦) أخرجه البخاري، في: باب التيمم للوجه والكفين، من كتاب التيمم. صحيح البخاري ١/ ٩٣. ومسلم، في: باب التيمم، من كتاب الحيض. صحيح مسلم ١/ ٢٨٠. وأبو داود، في: باب التيمم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٧٧. والنسائي، في: باب التيمم في الحضر، وباب نوع آخر من التيمم، وباب تيمم الجنب، من كتاب الطهارة. المجتبى ١/ ٣٥، ١٣٨، ١٣٩. وابن ماجه، في: باب ما جاء في التيمم بضربة واحدة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٨٨. وانظر: باب ما جاء في التيمم، من أبواب الطهارة، من سنن الترمذي. عارضة الأحوذى ١/ ٢٣٩.
(٧) سورة المائدة ٦.
(٨) سورة المائدة ٣٨. وفى الأصل: "في السارق"، على أن الاستشهاد بقوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}.
(٩) معالم السنن ١/ ١٠١.
(١٠) العبارة في معالم السنن: قالوا: وحديث ابن عمر لا يصح؛ لأن محمد بن ثابت العبدى ضعيف جدا، لا يحتج بحديثه.
(١١) في م: "ضعف".
(١٢) نقول: إن ابن عبد البر، رغم هذا، انتصر للتيمم بضربتين، فقال في الاستذكار ٢/ ١٣: ولما اختلفت الآثار في كيفية التيمم وتعارضت، كان الواجب في ذلك الرجوع إلى ظاهر القرآن، وهو يدل على ضربتين: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، قياسا على الوضوء، واتباعا لفعل عمر، رحمه اللَّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>