للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوِىَ عن أحمدَ رِوَايةٌ أخرى، أنَّ للإِمَامِ اسْتِيفَاءَ القِصَاصِ له. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه أحَدُ نَوْعَىِ القِصَاصِ. فكان للإِمَامِ اسْتِيفاؤُه عن اللَّقِيطِ، كالقِصَاصِ في النَّفْسِ. ولَنا، أنه قِصَاصٌ لم يَتَحَتَّم اسْتِيفاؤُه، فوَقَفَ على قَوْلِه، كما لو كان بالِغًا غائِبًا، وفارَقَ القِصَاصَ في النَّفْسِ، فإنَّ القِصَاصَ ليس هو له، إنَّما هو لِوَارِثِه، والإِمامُ المُتَوَلِّى له.

فصل: وإن قَذَفَ اللَّقِيطُ بعدَ بُلُوغِه مُحْصَنًا، حُدَّ ثَمَانِينَ؛ لأنَّه حُرٌّ. وإن قَذَفَه قاذِفٌ، وهو مُحْصَنٌ، فعليه الحَدُّ؛ لأنَّه مَحْكُومٌ بِحُرِّيّتِه. فإن ادَّعَى القاذِفُ أنَّه عَبْدٌ، فصَدَّقَه اللَّقِيطُ، سَقَطَ الحَدُّ؛ لإِقْرارِ المُسْتَحِقِّ بِسُقُوطِ الحَدِّ، ويَجِبُ التَّعْزِيرُ، لِقَذْفِه مَنْ ليس بمُحْصَنٍ. وإن كَذَّبَه اللَّقِيطُ، وقال: إنِّي حُرٌّ فالقولُ قولُه؛ لأنَّه مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِه، فقولُه مُوَافِقٌ لِلظّاهِرِ، ولذلك أوْجَبْنا عليه حَدَّ الحُرِّ إذا كان قاذِفًا، وأوْجَبْنا له القِصَاصَ، وإن كان الجانِى حُرًّا. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ القولُ قولَ القاذِفِ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ صِحَّةَ ما قالَه، بأن يكونَ ابنَ أمَةٍ، فيكونَ ذلك شُبْهةً، والحَدُّ يُدْرَأُ (٨) بالشُّبُهاتِ. وفارَقَ القِصَاصَ له إذا ادَّعَى الجانِى عليه أنه عَبْدٌ؛ لأنَّ القِصَاصَ ليس بِحَدٍّ، وإنما: وَجَبَ حَقًّا لآدَمِيٍّ، ولذلك جازَتِ المُصَالَحةُ عنه، وأخْذُ بَدَلِه، بخِلَافِ حَدِّ القَذْفِ. ويَتَخَرَّجُ مِن هذا أنَّ اللَّقِيطَ إذا كان قاذِفًا، فادَّعَى أنَّه عَبْدٌ لِيَجِبَ عليه حَدُّ العَبْدِ، قُبِلَ منه؛ لذلك. والأوّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ كلَّ من كان مَحْكُومًا بِحُرِّيَّتِه، لا يَسْقُطُ الحَدُّ عن قاذِفِه باحْتِمالِ رِقِّه، بِدَلِيلِ مَجْهُولِ النَّسَبِ، ولو سَقَطَ الحَدُّ لهذا الاحْتِمالِ، لَسَقَطَ وإن لم يَدَّعِ القاذِفُ رِقَّه؛ لأنَّه مَوْجُودٌ وإن لم يَدَّعِه.


(٨) في م: "يندرئ".

<<  <  ج: ص:  >  >>