للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّرْعُ لواحدٍ، فأقَرَّ لِلمُدَّعِى بِنِصْفِه، ثم صَالَحَه عنه بِنِصْفِ الأَرْضِ، لِيَصِيرَ الزَّرْعُ كله لِلْمُقِرِّ، والأَرْضُ بينهما نِصْفَيْنِ، فإن شَرَطَ القَطْعَ جَازَ؛ لأنَّ الزَّرْعَ كله للْمُقِرِّ، فجَازَ شَرْطُ قَطْعِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يجوزَ؛ لأنَّ فى الزَّرْعِ ما ليس بِمَبِيعٍ، وهو النِّصْفُ الذى لم يُقِرَّ به، وهو فى النِّصْفِ الباقِى له، فلا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ قَطْعِه، كما لو شَرَطَ قَطْعَ زَرْعٍ آخَرَ فى أرْضٍ أُخْرَى. وإن صَالَحَهُ عنه (٢٣) بِجَمِيعِ الأَرْضِ بِشَرْطِ القَطْعِ لِيُسَلِّمَ الأَرْضَ إليه فَارِغَةً، صَحَّ؛ لأنَّ قَطْعَ جَمِيعِ الزَّرْعِ مُسْتَحَقٌّ نِصْفُه بِحُكْمِ الصُّلْحِ، والباقِى لِتَفْرِيغِ الأَرْضِ، فأمكن القَطْعُ. وإن كان إقْرَارُه بِجَمِيعِ الزَّرْعِ، فصَالَحَهُ من نِصْفِه على نِصْفِ الأرضِ، ليكونَ الأَرْضُ والزَّرْعُ بينهما نِصْفَيْنِ، وشَرَطَ القَطْعَ فى الجَمِيعِ، احْتَمَلَ الجَوَازَ؛ لأنَّهما قد شَرَطَا قَطْعَ كلِّ الزَّرْعِ وتَسْلِيمَ الأَرْضِ فَارِغَةً، واحْتَمَلَ المَنْعَ؛ لأنَّ بَاقِى الزَّرْعِ ليس بِمَبِيعٍ، فلا يَصِحُّ شَرْطُ قَطْعِه فى العَقْدِ.

فصل: إذا حَصَلَتْ أَغْصَانُ شَجَرَتِه فى هَوَاءِ مِلْكِ غيرِه، أو هَوَاءِ جِدَارٍ له فيه شَرِكَةٌ، أو على نَفْسِ الجِدَارِ، لَزِمَ مَالِكَ الشَّجَرَةِ إزَالَةُ تلك الأَغْصَان، إمَّا بِرَدِّهَا إلى نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وإمَّا بالقَطْعِ؛ لأنَّ الهَوَاءَ مِلْكٌ لِصَاحِبِ القَرَارِ، فوَجَبَ إزَالَةُ ما يَشْغَلُه من مِلْكِ غيرِه كالقَرَارِ. فإن امْتَنَعَ المالِكُ من إزَالَتِه، لم يُجْبَرْ؛ لأنَّه من غيرِ فِعْلِه، فلم يُجْبَرْ على إزَالَتِه، كما إذا لم يكُنْ مَالِكًا له (٢٤). وإن تَلِفَ بها شىءٌ، لم يَضْمَنْهُ كذلك. ويَحْتَمِلُ أن يُجْبَرَ على إزَالَتِه، ويَضْمَنَ ما تَلِفَ به، إذا أُمِرَ بإزَالَتِه فلم يَفْعَلْ، بنَاءً على ما إذا مَالَ حَائِطُه إلى مِلْكِ غيره، على ما سَنَذْكُرُه إن شاءَ اللَّه تعالى. وعلى كلا الوَجْهَيْنِ، إذا امْتَنَعَ من إزَالَتِه كان لِصَاحِبِ الهَوَاءِ إزَالَتُه بأحَدِ الأَمْرَيْنِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ البَهِيمَةِ التى تَدْخُلُ دَارَه، له إخْرَاجُها، كذا هاهُنا. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. فإن أَمْكَنَه إزَالَتُها بلا إتْلَافٍ ولا قَطْعٍ، من غيرِ مَشَقَّةٍ تَلْزَمُه ولا غَرَامَةٍ، لم يَجُزْ له إتْلَافُها، كما أنَّه إذا


(٢٣) فى الأصل، ب، م: "منه".
(٢٤) فى ب: "ملكا".

<<  <  ج: ص:  >  >>