للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: إذا جاء رأسُ الشَّهرِ فأنتِ طالقٌ. صحَّ ذلك، واسْتحَقَّ العِوَضَ، ووقَعَ الطَّلاقُ عندَ رأس الشَّهرِ بائِنًا؛ لأنَّه بعِوَضٍ. وإن طَلَّقَها قبلَ مَجىءِ الشَّهرِ، طَلُقَتْ ولا شىءَ له. ذكَرَه أبو بكرٍ، وقال: رَوَى ذلك عن أحمدَ علىُّ بن سعيدٍ. وذلك لأنَّه إذا طلَّقَها قبلَ رأس الشَّهرِ، فقد اخْتارَ إيقاعَ الطَّلاقِ من غيرِ عِوَضٍ. وقال الشَّافعىُّ: إذا أخَذ مِنها ألفًا على أن يُطَلِّقَها إلى شهرٍ، فطلَّقَها بألفٍ، بانَت، وعليها مهرُ المِثْلِ؛ لأنَّ هذا سَلَفٌ فى طَلاقٍ، فلم يَصِحَّ؛ لأنَّ الطَّلاقَ لا يثبُتُ فى الذِّمَّةِ، ولأنه عَقْدٌ تعلَّقَ بِعَيْنٍ، فلا يجوزُ شَرْطُ تأخْيرِ التَّسْليمِ فيه. ولَنا، أنها جعلتْ له عِوَضًا صحيحًا على طلاقِها، فإذا طلَّقَها اسْتَحَقَّه، كما لو لم يَقُلْ: إلى شهرٍ، ولأنَّها جعَلتْ له عِوَضًا صحيحًا على طَلاقِها، فلم يَسْتحِقَّ أكثرَ منه، كالأصلِ. وإن قالتْ: لك ألفٌ على أن تُطَلِّقَنى أىَّ وقتٍ شئتَ، من الآن إلى شهرٍ. صَحَّ فى قياسِ المسألةِ التى (١٧) قبلَها. وقال القاضى: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ زمنَ الطَّلاقِ مجهولٌ، فإذا طلَّقها فله مهرُ المثلِ. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه طلَّقَها على عِوَضٍ لم يَصِحَّ، لفَسادِه. ولَنا، ما تقدَّمَ فى التى قبلَها، ولا تَضُرُّ الجَهَالةُ فى وقتِ الطَّلاقِ؛ لأنَّه ممَّا يَصِحُّ تَعْليقُه على الشَّرْطِ، فصَحَّ بَذْلُ العِوَضِ فيه مجهولَ الوقتِ كالجُعالةِ، ولأنَّه لو قال: متى أعْطَيْتِنى ألفًا فأنتِ طالقٌ. صَحَّ، وزمنُه مجهولٌ أكثرُ من الجَهَالةِ ههُنا، فإنَّ الجَهَالةَ ههُنا فى شهرٍ واحدٍ، وثَمَّ فى العُمْرِ كلِّه. وقولُ القاضى: له مَهْرُ المِثْلِ. مُخالِفٌ لقياس المذهبِ؛ فإنَّه ذكَرَ فى المواضِعِ التى يفسُدُ فيها (١٨) العِوَضُ، أَنَّ له المُسَمَّى. فكذلك يَجبُ أن يكونَ ههُنا إنْ حَكَمْنَا بفَسادِه. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: إذا قال لها (١٩): أنت طالقٌ وعليكِ ألفٌ. وقَعت طَلْقةً رَجْعِيَّةً؛ ولا شىءَ عليها؛ لأنَّه لم يَجْعَلْ له العِوَضَ فى مُقابلَتِها، ولا شَرْطًا فيها، وإنَّما عطفَ ذلك على طَلاقِها، فأشْبَهَ ما لو قال: أنتِ طالقٌ، وعليكِ الحَجُّ. فإن أعْطَتْه المرأةُ عن ذلك عِوَضًا، لم يكُنْ له (١٩) عِوَضًا؛ لأنَّه لم يُقابلْه شىءٌ، وكان ذلك هِبَةً مُبْتَدَأةً، يُعتبَرُ فيه


(١٧) سقط من: الأصل.
(١٨) فى الأصل: "فيه".
(١٩) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>