للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَوْضِعَيْنِ؛ لأنَّ فيه غَرَرًا، فلم يَجُزْ، كما لو لم يَقُلْ له ذلك. ولَنا، أنَّه داخِلٌ في عُمُومِ لَفْظِه، وقَرِينَةُ حالِه تَدُلُّ على رِضَائِه بِرَأْيِه (٤) في صِفَاتِ البَيْعِ، وفى أنْواعِ التِّجارَةِ، وهذا منها. فإذا قُلْنا: له البَيْعُ نَسَاءً. فالبَيْعُ صَحِيحٌ، ومهما فاتَ من الثمَنِ لم (٥) يَلْزَمْه ضَمَانُه، إلا أن يُفَرِّطَ بِبَيْعِ مَن لا يُوثَقُ به، أو مَن لا يَعْرِفهُ، فيَلْزَمُه ضَمَانُ الثَّمَنِ الذي انْكَسَرَ على المُشْتَرِى. وإن قُلْنا: ليس له البَيْعُ نَسَاءً، فالبَيْعُ باطِلٌ؛ لأنَّه فَعَلَ ما لم يُؤْذَنْ له فيه، فأشْبَهَ البَيْعَ من الأَجْنَبِىِّ، إلَّا على الرِّوَايةِ التي تقولُ: يَقِفُ بَيْعُ الأَجْنَبِىِّ على الإِجَازَةِ. فههُنا مِثْلُه. ويَحْتَمِلُ قولُ الخِرَقِيِّ صِحَّةَ البَيْعِ؛ فإنَّه إنَّما ذَكَرَ الضَّمَانَ؛ ولم يَذْكُرْ فَسَادَ البَيْعِ. وعلى كلِّ حالٍ يَلْزَمُ العامِلَ الضَّمَانُ؛ لأنَّ ذَهَابَ الثَّمَنِ حَصَلَ بِتَفْرِيطِه. فإن قُلْنا بِفَسَادِ البَيْعِ، ضَمِنَ المَبِيعَ بقِيمَتِه إذا تَعَذَّرَ عليه اسْتِرْجَاعُه، إمَّا لِتلَفِ المَبِيعِ أو امْتِنَاعِ المُشْتَرِى من رَدِّه إليه. وإن قلْنا بصِحَّتِه، احْتَمَلَ أن يَضْمَنَه بقِيمَتِه أيضًا؛ لأنَّه لم يَفُتْ بالبَيْعِ أكْثَرُ منها، ولا يَنْحَفِظُ بِتَرْكِه سِوَاهَا، وزِيادَةُ الثَّمَنِ حَصَلَتْ بِتَفْرِيطِه، فلا يَضْمَنُها. واحْتَمَلَ أن يَضْمَنَ الثَّمَن؛ لأنَّه وَجَبَ بالبَيْعِ، وفاتَ بِتَفْرِيطِ البائِعِ. وإن نَقَصَ عن القِيمَةِ، فقد انتَقَلَ الوُجُوبُ إليه، بدَلِيلِ أنَّه لو حَصَلَ الثَّمَن لم يَضْمَنْ شيئا.

فصل: وليس له السَّفَرُ بالمالِ، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ في السَّفَرِ تَغْرِيرًا بالمالِ وخَطَرًا، ولهذا يُرْوى: "إنَّ المُسَافِرَ ومَالَه لَعَلَى قَلَتٍ، إلَّا مَا وَقَى اللهُ تَعَالَى" (٦). أي هَلَاكٍ، ولا يجوزُ له التَّغْرِيرُ بالمالِ بغيرِ إِذْنِ مالِكِه. والوَجْهُ الثاني، له السَّفَرُ به إذا لم يكُنْ مَخُوفًا. قال القاضي: قِيَاسُ المذهبِ جَوازُه، بِنَاءً على السَّفَرِ بالوَدِيعَةِ. وهذا قولُ مالِكٍ. ويُحْكَى ذلك عن أبي حنيفةَ؛ لأنَّ الإِذْنَ المُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلى ما جَرَتْ به العادَةُ، والعَادَةُ جَارِيَةٌ بالتِّجَارَةِ سَفَرًا وحَضَرًا، ولأنَّ المُضَارَبةَ مُشْتَقَّةٌ من


(٤) في الأصل: "بشرائه".
(٥) في م: "لا".
(٦) ذكره ابن قتيبة، في غريب الحديث ٢/ ٥٦٤، وابن الأثير، في النهاية ٤/ ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>