للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَرِيعَتِه، ولو ساغَ ذلك له (٤٥) لساغَ لغيرِه، وإنَّما راجعَ التَّوْراةَ لتعْرِيفِهم أنَّ حُكْمَ التَّوراةِ مُوافِقٌ لما يَحْكُمُ به عليهم، وأنَّهم تارِكون لشرِيعَتِهِم، مُخالِفُونَ لحُكْمِهِم، ثم هذا حُجَّةٌ لنا، فإنَّ حكمَ اللهِ في وُجوبِ الرَّجْمِ إن كانَ ثابتًا في حَقِّهم يجبُ أن يحْكمَ به عليهم، فقد ثَبَتَ وجودُ الإِحْصانِ فيهم, فإنَّه لا معنَى له سوى وُجوبِ الرَّجْمِ على مَن زَنَى منهم بعدَ وُجُودِ شُروطِ الإِحْصانِ فيه (٤٦)، وإن مَنَعُوا ثُبوتَ الحُكْمِ في حقِّهم، فَلِمَ حَكَمَ به النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ . ولا يَصَحُّ القياسُ على إحْصانِ القَذْفِ؛ لأنَّ مِن شَرْطِهِ العِفَّةَ، وليستْ شَرْطًا ههُنا.

فصل: ولو ارْتَدَّ الْمُحْصَنُ، لم يَبْطُلْ إحْصانُه، فلو أسلَمَ بعدَ ذلك كان مُحْصَنًا. قال أبو حنيفةَ، رَضِىَ اللَّه عنه: يبْطُلُ؛ لأنَّ الإِسلامَ عندَه شرطٌ في الإِحْصانِ. قد بَيَّنَّا أنَّه ليس بشَرْطٍ، ثم هذا داخِلٌ في عُمومِ قوله عليه السلام: "أو زِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ" (٤٧). ولأنَّه زِنًى بعدَ الإِحْصانِ، فكان حدُّه الرَّجْمَ، كالذى لم يَرْتَدَّ. فأمَّا إن نقَضَ الذِّمِّىُّ العهدَ، ولَحِقَ بدارِ الحربِ بعدَ إحْصانِه، فسُبِىَ واسْتُرِقَّ، ثم أُعْتِقَ (٤٨)، احْتَمَلَ أن لا يَبْطُلَ إحْصَانُه، لأنَّه زَنَى بعدَ إحْصانِه فأشْبَهَ مَن ارتَدَّ. واحْتَمَلَ أن يَبْطُلَ؛ لأنَّه بَطَلَ بكَوْنِه رقيقًا، فلا يعودُ إلَّا بسَبَبٍ جديدٍ، بخلافِ مَن ارْتَدَّ.

فصل: وإذا زَنَى وله زوجةٌ له منها وَلَدٌ، فقال: ما وَطِئْتُها. لم يُرْجَمْ. وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفةَ: يُرْجَمُ؛ لأنَّ الولدَ لا يكونُ إلَّا من وَطْءٍ. فقد حَكَمَ بالوَطْءِ ضَرُورةَ الحُكْمِ بالولد. ولَنا، أنَّ الولدَ يُلْحَقُ بإمْكانِ الوَطْءِ واحْتمالِه، والإِحْصانُ لا يثْبُتُ إلَّا بحَقيقةِ الوَطْءِ، فلا يلْزَمُ من ثُبُوتِ ما يُكْتَفَى فيه بالإِمكانِ وُجودُ ما تُعْتَبَرُ فيه


(٤٥) سقط من: ب، م.
(٤٦) في ب، م: "منه".
(٤٧) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٤٤٣.
(٤٨) في ب: "عتق".

<<  <  ج: ص:  >  >>