للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْتَهَرَتْ، فصارتْ كالمُتَواتِرِ، وليس فيه اختلافٌ، مع ما وَرَدَ من نَصِّ (٥) الكتابِ فيه فأغْنَى عن التَّطْوِيلِ.

فصل: ومن شَرْطِ العاملِ أن يكونَ بالغًا عاقلًا أمِينًا؛ لأنَّ ذلك ضَرْبٌ من الوِلايةِ، والولايةُ تُشْتَرطُ فيها هذه الخِصالُ، ولأنَّ الصَّبِىَّ والمجنونَ لا قَبْضَ لهما، والخائنَ يذهبُ بمالِ الزكاةِ ويُضَيِّعُه على أرْبابِه. ويُشْتَرطُ إسْلامُه. واختار هذا القاضى. وذكر أبو الخطَّابِ وغيرُه، أنَّه لا يُشْتَرَطُ إسْلامُه؛ لأنَّه إجارَةٌ على عَمَلٍ، فجاز أن يَتَوَلّاه الكافرُ، كجِبَايةِ الخَرَاجِ. وقِيلَ عن أحمدَ فى ذلك رِوَايتان. ولَنا، أنَّه يُشْتَرَطُ له (٦) الأمانةُ، فاشْتُرِطَ له الإِسْلامُ، كالشَّهادةِ، ولأنَّه وِلايةٌ على المسلمين، فلم يَجُزْ أن يَتَوَلَّاها الكافرُ، كسائرِ الوِلاياتِ، ولأنَّ مَنْ ليس من أهلِ الزكاةِ، لا يجوزُ أن يَتَولَّى العِمالَة كالحَرْبِىِّ، ولأنَّ الكافرَ ليس بأَمِينٍ، ولهذا قال عمرُ: لا تَأْتَمِنُوهُم وقد خَوَّنَهُم اللَّه تعالى. وقد أنْكرَ عمرُ على أبى مُوسَى تَوْلِيَتَه الكتابةَ نَصْرانِيًّا (٧). فالزكاةُ التى هى رُكْنُ الإِسلامِ أَوْلَى. ويُشْتَرطُ كونُه من غيرِ ذَوِى القُرْبَى، إلَّا أن يَدْفَعَ إليه أُجُرَتَه من غيرِ الزكاةِ. وقال أصحابُنا: يجوزُ له الأخْذُ منها؛ لأنَّها أُجْرَةٌ على عملٍ تجوزُ لِلْغَنِىِّ، فجازتْ لذَوِى القُرْبَى، كأُجْرةِ النّقَّالِ والحافِظِ. وهذا أحد الوَجْهينِ لأصْحابِ الشافعىِّ. ولَنا، حديثُ الفضلِ بن العباسِ وعبدِ المُطَّلبِ بن ربيعةَ بن الحارثِ، حين سأَلا النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَبْعَثَهُما على الصدقةِ، فأبَى أن يبْعثَهما، وقال: "إنَّمَا هذِهِ الصَّدَقَةُ أوْسَاخُ النَّاس، وَإنَّهَا لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ". وحديثُ أبى رافعٍ أيضًا (٨). وهذا ظاهرٌ فى تحريمِ أخْذِهِم [لها عِمالةً] (٩)، فلا تجوزُ مخالَفَتُه. ويفارقُ النَّقَّالَ والحَمَّالَ والرَّاعِىَ، فإنَّه يأخُذُ أُجْرةً لحَمْلِه


(٥) فى م: "نشر".
(٦) سقط من: أ.
(٧) أخرجه البيهقى، فى: باب لا ينبغى للقاضى ولا للوالى. . .، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى ١٠/ ١٢٧.
(٨) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١١٠.
(٩) فى أ، م: "العمالة".

<<  <  ج: ص:  >  >>