للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان من شُروطِ (٣٠) الكفاءة، كالنَّسَبِ. والرِّواية الثانية، ليس بشرطٍ؛ لأنَّ الفَقْرَ شَرَفٌ فى الدِّين، وقد قال النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ أحْيِنِى مِسكِينًا، وأَمِتْنِى مسكينًا" (٣١). وليس هو أمرًا لازِمًا، فأشْبَهَ العافِيةَ من المَرَضِ، واليَسارُ المُعْتَبرُ ما يَقْدِرُ به على الإنفاقِ عليها، حسبَ ما يَجِبُ لها، ويُمْكِنُه أدَاءُ مَهْرِها.

فصل: فأمَّا الصِّناعةُ، ففيها رِوايتان أيضًا؛ إحْداهما، أنَّها شَرْطٌ، فمَن كان من أهلِ الصنائعِ الدَّنِيئةِ، كالحائكِ، والحَجَّام، والحارس، والكَسَّاحِ، والدَّبَّاغِ، والقَيِّمِ، والحمَّامِىِّ، والزَّبَّالِ، فليس بكُفْءٍ [لبناتِ ذوِى] (٣٢) المُرُوءاتِ، أو أصحابِ الصَّنائعِ الجَلِيلةِ، كالتِّجارة، والبِنايةِ؛ لأنَّ ذلك نَقْصٌ فى عُرفِ الناس، فأشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ، وقد جاء فى حَدِيثٍ (٣٣): "العَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أكْفَاءٌ، إلَّا حَائِكًا، أو حَجّامًا" (٣٤). قيل لأحمدَ، رَحِمَه اللَّه: كيف تأْخُذُ به وأنتَ تُضَعِّفُه؟ قال: العَمَلُ عليه. يعنى أنَّه وَرَدَ مُوافِقًا لأهلِ العُرْفِ. ورُوِىَ أن ذلك ليس بنَقْصٍ، ويُرْوَى نحوُ ذلك عن أبى حنيفةَ؛ لأنَّ ذلك ليس بنَقْصٍ فى الدِّينِ، ولا هو لازمٌ، فأشْبَهَ الضَّعْفَ والمَرَضَ، قال بعضُهم (٣٥):

ألَا إنَّما التَّقْوَى هى العِزُّ والكَرَمْ ... وحُبُّكَ للدُّنيا هو الذُّلُّ والسَّقَمْ

ولَيْسَ على عَبْدٍ تقِىٍّ نَقِيصَةٌ ... إذا حَقّقَ التَّقوَى وإن حَاك أو حَجَمْ

وأما السَّلامةُ من العُيوبِ، فليس من شُروطِ الكَفاءةِ، فإنه لا خِلافَ فى أنَّه لا يَبْطُلُ النِّكاحُ بعَدَمِها، ولكنَّها تُثْبِتُ الخِيارَ للمَرأةِ دُونَ الأوْلِيَاءِ؛ لأنَّ ضَرَرَه مُخْتَصٌّ بها.


(٣٠) فى الأصل: "شرط".
(٣١) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٠٧.
(٣٢) فى ب: "لذوى".
(٣٣) فى م: "الحديث".
(٣٤) أخرجه البيهقى، فى: باب اعتبار الصنعة فى الكفاءة، من كتاب النكاح. السنن الكبرى ٧/ ١٣٥.
(٣٥) البيتان لأبى العتاهية، وما فى ديوانه. انظر: أبو العتاهية أشعاره وأخباره ٣٤٨، ٣٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>