للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنَّه قال إنِّي وجدتُ من عُبَيْدِ اللَّه رِيحَ شَرَابٍ، فأقَرَّ أنَّه شَرِبَ الطِّلا. فقال عمرُ: إنِّي سائِلٌ عنه، فإن كان يُسْكِرُ جَلَدْتُه (٣١). ولأنَّ الرَّائحةَ تَدُلُّ على شُرْبِهِ، فَجَرَى مَجْرَى الإِقْرارِ. والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ الرائحةَ يَحْتَمِلُ أنَّه تمَضْمَضَ بها، أو حَسِبَها ماءً، فلَمَّا صارَتْ في فِيهِ مَجَّهَا، أو ظَنَّها لا تُسْكِرُ، أو كانَ مُكْرَهًا، أو أَكَلَ نَبْقًا بالِغًا، أو شَرِبَ شَرابَ التُّفَّاحِ، فإنَّه يكونُ منه، كرائحةِ الخمرِ، وإذا احْتَمَلَ ذلك، لم يجبِ الحَدُّ الذي يُدْرَأُ بالشُّبهاتِ. وحديثُ عمرَ حُجَّةٌ لنا، فإنَّه لم يَحُدَّه بوُجودِ الرائحةِ، ولو وجبَ ذلك، لَبادرَ إليه عمرُ. واللهُ أعلمُ.

فصل: وإن وُجِدَ سَكْرانَ، أو تَقَيَّأَ الخمرَ. فعن أحمدَ، لا حَدَّ عليه؛ لاحْتمالِ أن يكونَ مُكْرهًا، أو لم يَعْلَمْ أنَّها تُسْكِرُ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. وروايةُ أبى طالبٍ عنه في الحَدِّ بالرَّائحةِ، تَدُلُّ على وُجوبِ الحَدِّ ههُنا بطَريقِ الأوْلَى؛ لأنَّ ذلك لا يكونُ إلَّا بعدَ شُرْبِها، فأشْبَهَ مَا لو قامتِ البَيِّنَةُ عليه بشُرْبِها. وقد روى سعيدٌ، حدَّثنا هُشَيْمٌ، حدَّثنا الْمُغِيرةُ، عن الشَّعْبِىِّ، قال: لَمَّا كان من أمرِ قُدامةَ ما كانَ، جاء عَلْقَمةُ الخَصِىُّ، فقال: أشهدُ أَنِّى رأيتُه يتقيَّأُها. فقالَ عمرُ: من قاءَها فقد شَرِبَها. فضَربَه الحَدَّ (٣٢). وروَى حُصَينُ بنُ المُنْذِرِ الرَّقَاشِىُّ، قال: شَهِدْتُ عثمانَ، وأُتِىَ بالوليدِ بنِ عُقْبةَ، فَشَهِدَ عليه حُمْرانُ ورَجُلٌ آخَرُ، فشَهِدَ أَحدُهما أنَّه رآه شَرِبَها، وشَهِدَ الآخرُ أنَّه رآه يتَقيَّأُها. فقال عثمانُ: إنَّه لم يتَقَيَّأْها حتى شَرِبَها، فقال لِعلىٍّ: أقِمْ عليه الْحَدَّ. فأمرَ علىٌّ عبدَ اللَّه بنَ جَعْفرٍ، فضَرَبَه. روَاه مسلمٌ (٣٣). وفي روايةٍ فقال له عثمانُ: لقد


= ٦/ ٢٣٠. ومسلم، في: باب فضل استماع القرآن، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم ١/ ٥٥١، ٥٥٢.
(٣١) أورده البخاري تعليقًا، في: باب الباذَق ومَنْ نهى عن كل مسكر من الأشربة، من كتاب الأشربة. صحيح البخاري ٧/ ١٣٩.
(٣٢) تقدم تخريج حديث قدامة في صفحة ٢٧٦.
(٣٣) في: باب حد الخمر، من كتاب الحدود. صحيح مسلم ٣/ ١٣٣١، ١٣٣٢.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الحد في الخمر، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٧٢، ٤٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>