للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقَلَها الكَوْسَجُ عن أحمدَ، في امْرأةٍ ادَّعَتْ وَلَدًا: إن كان لها إخْوَةٌ أو نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، لا تُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وإن لم يكُنْ لها دافِعٌ، لم يُحَلْ بينَها وبينَه؛ لأنَّه إذا كان لها أهْلٌ ونَسَبٌ مَعْرُوفٌ، لم تَخْفَ وِلَادَتُها عليهم، ويَتَضَرَّرُونَ بإلْحاقِ النَّسَبِ بها، لما فيه من تَعْيِيرِهِم بوِلَادَتِها من غيرِ زَوْجِها، وليس كذلك إذا لم يكُنْ لها أهْلٌ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَثْبُتَ النَّسَبُ بِدَعْواها بحالٍ. وهذا قول الثَّوْرِيِّ، والشافِعِيِّ، وأبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْى. قال ابن المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ النَّسَبَ لا يَثْبُتُ بِدَعْوَى المَرْأةِ؛ لأنَّها يُمْكِنُها إقَامَةُ البَيِّنةِ على الوِلَادةِ، فلا يُقْبَلُ قَوْلُها بمُجَرَّدِه، كما لو عَلَّقَ زَوْجُها طَلَاقَها بوِلَادَتِها. ولَنا، أنَّها أحَدُ الوَالِدَيْنِ، فأشْبَهَتِ الأَبَ، وإمكانُ البَيِّنةِ لا يَمْنَعُ قَبُولَ القولِ، كالرَّجُلِ، فإنَّه تُمْكِنُه إقامةُ (١٦) البَيِّنةِ أنَّ هذا وُلِدَ (١٧) على فِرَاشِه. وإن كان المُدَّعِى أمَةً، فهى كالحُرَّةِ، إلَّا أنَّنا إذا قَبِلْنا دَعْوَاها في نَسَبِه، لم نَقْبَلْ قَوْلَها في رِقِّه؛ لأنَّنا لا نَقْبَلُ الدَّعْوَى فيما يَضُرُّه، كما لم نَقْبَل الدَّعْوَى في كُفْرِه إذا ادَّعَى نَسَبَه كافِرٌ. القسم الثاني، أنْ يَدَّعِىَ نَسَبَه اثْنانِ فصاعِدًا، والكَلَامُ في ذلك في فُصُولٍ:

أحدُها: أنَّه إذا ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وكافِرٌ، أو حُرٌّ وعَبْدٌ، فهما سواءٌ. وبهذا قال الشافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ: المُسْلِمُ أَوْلَى من الذِّمِّيِّ، والحُرُّ أوْلَى من العَبْدِ؛ لأنَّ على اللَّقِيطِ ضَرَرًا في إلْحاقِه بالعَبْدِ والذِّمِّيِّ، فكان إلْحاقُه بالحُرِّ المُسْلِمِ أَوْلَى، كما لو تَنَازَعُوا في الحَضَانةِ. ولَنا، أنَّ كلَّ واحدٍ [منهم إذا] (١٨) انْفَردَ صَحَّتْ دَعْواهُ، فإذا تَنَازَعُوا، تَسَاوَوْا في الدَّعْوَى (١٩)، كالأحْرارِ المسلِمين. وما ذَكَرُوه من الضَّرَرِ لا يَتَحَقَّقُ، فإنَّنا لا نَحْكُمُ بِرِقِّه ولا كُفْرِه. ولا يُشْبِهُ النَّسَبُ الحَضَانةَ، بِدَلِيلِ أنَّنا نُقَدِّمُ


(١٦) سقط من: م.
(١٧) في الأصل: "الولد".
(١٨) في م: "لو".
(١٩) في الأصل: "دعواه".

<<  <  ج: ص:  >  >>