للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالرُّكوعِ والسُّجودِ والقِيامِ، فلا يَجِبُ غيرُهُ، ولأنَّه لو كانَ واجبًا لتَضَمَّنَ ذِكْرًا واجِبًا، كالقِيامِ الأوَّلِ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ به المُسِىءَ في صلاتِه، وداوَمَ عَلى فِعْلِه، فيدْخُلُ في عُمُومِ قَوْلِهِ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى". وقولُهم: لم يَأْمُر اللهُ به. قُلْنا. قد أمَرَ بالقِيامِ، وهذا قَيامٌ، ثم أمْرُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجِبُ امْتِثَالُه، وقد أمَرَ بِه. وقولُهم: لا يَتَضَمَّنُ ذِكرًا واجِبًا. مَمْنُوعٌ، ثم هو بَاطِلٌ بِالرُّكوعِ والسجودِ، فإنَّهما رُكْنَانِ، ولا ذِكْرَ فيهما واجبٌ، على قولِهم.

فصل: ويُسَنُّ الجَهْرُ بِالتَّسمِيعِ للإِمامِ، كما يُسَنُّ الجهرُ بِالتَّكْبِيرِ؛ لأنَّه ذِكْرٌ شُرِعَ (٧) عند الانْتِقَالِ مِن رُكْنٍ، فيُشْرَعُ الجهرُ به لِلإِمامِ، كالتَّكْبِيرِ.

١٥٨ - مسألة؛ قال: (ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ، مِلْءَ السَّموَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَملْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بعْدُ)

وجُمْلَتُه أنْ يُشْرَعَ قَوْلُ "رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ" في حقِّ كلِّ مُصَلٍّ، في المَشْهُورِ عن أحمدَ، وهذا قولُ أكثَرِ أهلِ العِلْمِ؛ مِنهم ابنُ مسعودٍ، وابْنُ عمر، وأبو هُرَيْرَة، وبه قال الشَّعْبِىُّ، وابْنُ سِيرِينَ، وأبو بُرْدَةَ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وابْنُ المُنْذِرِ. وعن أحمدَ روَاية أُخْرَى: لا يَقُولُه المُنْفَرِدُ. فإنَّه قال في رِوايةِ إسحاقَ، في الرَّجُلِ يُصَلِّى وَحْدَه، فإذا قال: "سَمِعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَهُ". قال: "رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ"؟ فقال: إنَّما هذا للإِمامِ جَمْعُهما، وليس هذا لأحَدٍ سِوَى الإِمام. ووَجْهُه أنَّ الخَبَرَ لم يَرِدْ به في حَقِّهِ. فلم يُشْرَعْ له كقَوْلِ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" في حقِّ المَأْمُومِ. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ: لا يُشْرَعُ قَوْلُ هذا في حَقِّ الإِمامِ ولا المُنْفَرِدِ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيْرَة، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ؛ فإنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ". مُتَّفَقٌ عليه (١). ولَنا، أنَّ أبا هُرَيْرةَ قال: كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، حين يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِن


(٧) في م: "مشروع".
(١) تقدم في صفحة ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>