وجُمْلَةُ ذلك أنَّه إذا خَرَجَتْ منه نَجاسَةٌ بعدَ السَّبْعِ لم يَعْدُ إلى الغُسْلِ. قال أحمدُ: مَن غَسَّلَ مَيِّتًا لم يُغَسِّلْهُ أكْثَرَ من سَبْعٍ، لا يُجاوِزُه، خَرَجَ منه شيءٌ أو لم يَخْرُجْ. قِيلَ له: فَنُوَضِّيه إذا خَرَجَ منه شيءٌ بعدَ السَّبْعِ؟ قال: لا، لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كذا أَمَرَ، ثَلَاثًا أو خَمْسًا أو سَبْعًا، في حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، ولأنَّ زِيَادَةَ الغُسْلِ وتَكْرِيرَهُ عندَ كلِّ خَارِجٍ يُرْخِيهِ، ويُفْضِى إلى الحَرَجِ، لكنَّه يَغْسِلُ النَّجَاسَةَ، ويَحْشُو مَخْرَجَها بالقُطْنِ. وقيل: يُلْجَمُ بالقُطْنِ كما تَفْعَلُ المُسْتَحاضَةُ، ومَن به سَلَسُ البَولِ، فإنْ لم يُمْسِكْهُ ذلك حُشِىَ بالطِّينِ الحُرِّ، وهو الخَالِصُ الصُّلْبِ الذي له قُوَّةٌ تُمْسِكُ المَحَلَّ. وقد ذَكَرَ أحمدُ أنَّه لا يُوَضَّأُ. ويَحْتَمِلُ أنَّه يُوَضَّأُ وُضُوءَ الصلاةِ، كالجُنُبِ إذا أحْدَثَ بعدَ غُسْلِه، وهذا أحْسَنُ.
فصل: والحَائِضُ والجُنُبُ إذا ماتَا كَغَيْرِهما في الغُسْلِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا قولُ مَن نَحْفَظُ عنه مِن عُلَماءِ الأمْصارِ. وقال الحسنُ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: ما ماتَ مَيِّتٌ إلَّا جَنُبَ. وقِيلَ عن الحسنِ: إنَّه يُغَسَّلُ الجُنُبُ لِلْجنابةِ، والحَائِضُ لِلْحَيْضِ، ثم يُغَسَّلانِ لِلْمَوْتِ. والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّهما خَرَجَا من أحْكامِ التَّكْلِيفِ، ولم يَبْقَ عليهما عِبادَةٌ وَاجِبَةٌ، وإنَّما الغُسْلُ لِلْمَيِّتِ تَعَبُّدٌ، ولِيكونَ في حالِ خُرُوجِهِ من الدُّنْيَا على أكْمَلِ حَالٍ من النَّظافَةِ والنَّضارَةِ، وهذا يَحْصُلُ بِغُسْلٍ واحِدٍ، ولأنَّ الغُسْلَ الواحِدَ يُجْزِئُ مَن وُجِدَ في حَقِّه مُوجِبَانِ له، لو اجْتَمَعَ الحَيْضُ والجنابةُ.
فصل: والوَاجِبُ في غُسْلِ المَيِّتِ النِّيَّةُ، والتَّسْمِيَةُ في إحْدَى الرِّوايَتَيْنِ، وغَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لأنَّه غُسْلُ تَعَبُّدٍ عن غيرِ نَجاسَةٍ أصَابَتْهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصلاةِ، فوَجَبَ ذلك فيه كغُسْلِ الجَنَابَةِ، وقد شَبَّهَ أحمدُ غُسْلَهُ بِغُسْلِ الجَنَابَةِ، ولما تَعَذَّرَتِ النِّيَّةُ والتَّسْمِيَة من المَيِّتِ اعْتُبِرَتْ في الغَاسِلِ، لأنَّه المُخَاطَبُ