فرجع، وقال: لم أدْرِ ما قلتُ. لم يُقْبَلْ قَوْلُه، ولم يَبْطُلْ إسلامُه الأوَّلُ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه يُقْبَلُ منه، ولا يُجْبَرُ على الإِسلامِ. قال أبو بكر: هذا قولٌ مُحْتَمِلٌ؛ لأنَّ الصَّبِىَّ في مَظنَّةِ النَّقْصِ، فيجوزُ أنْ يكونَ صادِقًا. قال: والعملُ على الأوَّلِ؛ لأنَّه قد ثَبَتَ عقلُه للإِسلامِ، ومعرفتُه به بأفعالِه أفعالَ العُقَلاءِ، وتَصرُّفَاتِه تصَرُّفَاتِهم، وتكَلُّمِه بكلامِهم، وهذا يحْصُلُ به معرفةُ عقلِه؛ ولهذا اعتبرْنا رُشْدَه بعدَ بُلوغِه بأفْعالِه وتَصَرُّفاتِه، وعَرفْنا جُنونَ المجنونِ وعَقْلَ العاقِلِ بما يصْدُرُ عنه من أفعالِه وأقوالِه وأحوالِه، فلا يزولُ ما عَرَفْنَاه بمُجرَّدِ دَعْوَاه. وهكذا كلُّ من تلفَّظَ بالإِسلامِ، أو أخْبَرَ عن نفسِه به، ثم أنكرَ معرفتَه بما قال، لم يُقْبَلْ إنكارُه، وكان مُرْتَدًّا. نَصَّ عليه أحمدُ في مَواضِعَ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّه إذا ارْتَدَّ، صَحَّتْ رِدَّتُه. وبهذا قال أبو حنيفة. وهو الظَّاهِرُ من مذهبِ مالكٍ. وعندَ الشافعىِّ: لا يَصِحُّ إسلامُه ولا رِدَّتُه. وقد رُوِىَ عن أحمدَ؛ أنَّه يصِحُّ إسلامُه، ولا تَصِحُّ رِدَّتُه؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلَاثٍ؛ عَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَبْلُغَ". وهذا يَقْتضِى أن لا يُكْتبَ عليه ذَنْبٌ ولا شَىْءٌ، ولو صَحَّتْ رِدَّتُه، لكُتِبَتْ عليه. وأمَّا الإِسلامُ فلا يُكْتَبُ عليه، إنَّما يُكْتَبُ له، ولأنَّ الرِّدَّةَ أمرٌ يُوجِبُ القتلَ، فلم يَثْبُتْ حُكْمُه في حَقِّ الصَّبِىِّ كالزِّنَى، ولأنَّ الإِسلامَ إنَّما صَحَّ منه؛ لأنَّه تَمَحَّضَ مصلحةً، فأشْبَهَ الوَصِيَّةَ والتَّدْبِيرَ، والرِّدَّةُ تمحَّضَتْ مَضَرَّةً ومَفْسَدةً، فلم تلْزَمْ صِحَّتُها منه. فعلى هذا، حُكْمُه حُكْمُ من لم يَرْتَدَّ، فإذا بَلَغَ، فإنْ أصَرَّ على الكُفْرِ، كان مُرْتدًّا حِينَئِذٍ.
وجملتُه أنَّ الصَّبِىَّ لا يُقْتَلُ، سَواءٌ قُلْنا بصحَّةِ رِدَّتِه، أو لم نَقُلْ؛ لأنَّ الغُلامَ لا يجبُ عليه عُقُوبةٌ، بدليلِ أنَّه لا يتعلَّقُ به حُكْمُ الزِّنَى والسَّرِقَةِ وسائرِ (١) الحُدُودِ، ولا يُقْتَلُ