للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليلًا، وعادةُ أهلِ الْحَوائطِ حِفْظُها نهارًا دُونَ الليلِ، فإذا ذَهَبَتْ ليلًا كان التَّفْرِيطُ من أهْلِها بتَرْكِهِم حفظَها في وَقْتِ عَادةِ الحِفْظِ، وإن أَتْلَفَتْ نهارًا، كان التَّفْرِيطُ من أهلِ الزَّرْعِ (٣)، فكان عليهم، وقد فَرَّقَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بينَهما، وقَضَى على كُلُّ إنسانٍ بالحِفْظِ في وقتِ عَادتِه. وأمَّا غيرُ الزَّرْعِ، فلا يُضْمَنُ؛ لأنَّ البهيمةَ لا تُتْلِفُ ذلك عادةً، فلا يُحْتاجُ إلى حِفْظِها، بخلافِ الزَّرْعِ.

فصل: قال بعضُ أصحابِنا: إنَّما يَضْمَنُ مالِكُها ما أَتْلَفَتْهُ ليلًا، إذا كان التَّفْرِيطُ منه، بإرسالِها ليلًا، أو إرْسالِها (٤) نهارًا، ولم يَضْمَنْها (٥) ليلًا، أو ضَمِنَها (٦) بحيثُ يُمْكِنُها الخروجُ. أمَّا إذا ضَمِنَها فَأَخْرَجَها غيرُه بغيرِ إذْنِه، أو فَتَحَ عليها بابَها، فالضَّمانُ على مُخْرِجِها، أو فاتِحِ بابِها؛ لأنَّه المُتْلِفُ. قال القاضِى: هذه المسألةُ عندِى مَحْمولَةٌ على مَوْضِعٍ فيه مَزارِعُ ومَرَاعٍ، أمَّا القُرَى العامرةُ التي لا مَرْعَى فيها إلَّا بيت قَرَاحين (٧)، كساقيةٍ وطريقٍ وطَرَفِ زَرْعٍ، فليس لصاحِبِها إرسالُها بغيرِ حافِظٍ عن الزَّرْعِ، فإن فعلَه (٨)، فعليه الضَّمانُ؛ لتَفْريطِه، وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشافعىِّ.

فصل: وإن أتْلَفتِ البهيمةُ غيرَ الزَّرْعِ، لم يَضْمَنْ مالِكُها ما أتلَفَتْه، ليلًا كانَ أو نهارًا، ما لم تَكُنْ يَدُه عليها. وحُكِى عن شُرَيْحٍ، أنَّه قضَى في شاةٍ وَقَعَتْ في غَزْلِ حائِكٍ ليلًا، بالضَّمْانِ على صاحِبِها، وقرأ شُرَيْحٌ: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} (٩). قال: والنَّفْشُ لا يكونُ إلَّا باللَّيلِ. وعن الثَّوْرِىِّ: يَضْمَنُ، وإن كان نهارًا؛ لأنَّه مُفَرِّطٌ


(٣) في الأصل: "الزروع".
(٤) في الأصل: "أرسلها".
(٥) في م: "يضمها".
(٦) في م: "ضمها".
(٧) القراح من الأرض: المخلاة للزرع وليس عليها بناء.
(٨) في الأصل: "فعل".
(٩) سورة الأنبياء ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>