للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمحَارَبَةِ، واختَارَ أبو بكرٍ أنَّه لا يَصِحُّ رَهْنُ الجانِى. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. ومَبْنَى الخِلَافِ في هذا على الخِلَافِ في بَيْعِه، وقد سَبَقَ الكَلَامُ فيه في مَوْضِعِه. ثم إن كان المُرْتَهِنُ عَالِمًا بحَالِه، فلا خِيَارَ له؛ لأنَّه دَخَلَ على بَصِيرَةٍ، فأشْبَه المُشْتَرِىَ إذا عَلِمَ العَيْبَ، وإن لم يكُنْ عَالِمًا، ثم عَلِمَ بعد إسْلَامِ المُرْتَدِّ وفِدَاءِ الجانِى، فكذلك؛ لأنَّ العَيْبَ زَالَ، فهو كما لو زَالَ عَيْبُ المَبِيعِ. وإن عَلِمَ قبلَ ذلك، فله رَدُّه وفَسْخُ البَيْعِ إن كان مَشْرُوطًا في عَقْدِ بَيْعٍ؛ لأنَّ الشَّرْطَ اقْتَضَاهُ سَلِيمًا، فإذا سُلِّمَ إليه مَعِيبًا، مَلَكَ الفَسْخَ، كالبَيْعِ، وإن اخْتَارَ إمْسَاكَه، فليس له أرْشٌ ولا شىءٌ؛ لأنَّ الرَّهْنَ بجُمْلَتِه لو تَلِفَ (١٩) قبلَ قَبْضِه، لم يَمْلِكْ بَدَلَه، فبعضُه أَوْلَى. وكذلك لو لم يَعْلَمْ حتى قُتِلَ العَبْدُ بالرِّدَّةِ أو القِصَاصِ، أو أُخِذَ في الجِنَايَةِ، فلا أَرْشَ لِلْمُرْتَهِنِ. وذَكَرَ القاضي أنَّ قِيَاسَ المَذْهَبِ أنَّ له الأرْشَ في هذه المَوَاضِع، قِيَاسًا على البَيْعِ. وليس الأمرُ كذلكَ؛ فإنَّ المَبِيعَ عِوَضٌ عن الثَّمَنِ، فإذا فَاتَ بعضُه، رَجَعَ بما يُقَابِلهُ من الثَّمَنِ، ولو فَاتَ كله، مثلَ أن يَتْلَفَ المَبِيعُ (٢٠) قبلَ قَبْضِه، رَجَعَ بالثَّمَنِ كلِّه، والرَّهْنُ ليس بِعِوَضٍ. ولو تَلِفَ كلُّه قبلَ القَبْضِ، لما اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بشىءٍ، فكيف يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِبَدَل عَيْنِه (٢١) أو فَواتِ بَعْضِه؟ وإن امْتَنَعَ السَّيِّدُ من فِدَاءِ الجانِى، لم يُجْبَرْ، ويُبَاعُ في الجِنَايَةِ؛ لأنَّ حَقَّ المَجْنِى عليه مُقَدَّمٌ على الرَّهْنِ، فأشْبَهَ ما لو حَدَثَتِ الجِنَايَةُ بعد الرَّهْنِ. فعلَى هذا إن اسْتَغْرَقَ الأرْشُ (٢٢) قِيمَتَه، بِيعَ وبَطَلَ الرَّهْنُ، وإن لم يَسْتَغْرِقْها، بِيعَ منه بِقَدْرِ الأرْشِ، والباقِى رَهْنٌ.

فصل: ويَصِحُّ رَهْنُ المُدَبَّرِ، في ظَاهِرِ المَذْهَبِ، بِنَاءً على جَوَازِ بَيْعِه. ومَنَعَ منه أبو حنيفةَ والشَّافِعِيُّ؛ لأنَّه عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، أشْبَه ما لو عَلَّق عِتْقَهُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ


(١٩) في أ: "ثبت".
(٢٠) في الأصل، أ: "المكيل".
(٢١) في م: "غيبه". والنقط غير واضح في الأصل، أ. ولعل ما أثبتناه الصواب.
(٢٢) فى م: "بالأرش".

<<  <  ج: ص:  >  >>