للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُذَيْلٌ بقريبٍ من مائَةِ رجُلٍ رامٍ، فلمَّا أحَسَّ بهم عاصِمٌ وأصحابُه، لَجَأُوا إلى فَدْفَدٍ (٢٢)، فقالوا لهم: أنْزِلُوا فأعطونا بأَيْدِيكم، ولكم العَهْدُ والميثاقُ أَنْ لا نَقْتُلَ منكم أحدًا. فقال عاصمُ: أمَّا أنا فلا أنْزِلُ فى ذِمَّةِ كافرٍ. فَرَمَوْهم بالنَّبْلِ، فقتَلُوا عاصِمًا فِى سبعةٍ معه، ونزلَ إليهم ثلاثةٌ على العَهْدِ والميثاقِ، فهم خُبَيْبُ، وزيدُ بن الدَّثِنَةِ، فلمَّا اسْتَمْكَنُوا منهم، أطْلَقُوا أوْتارَ قِسِيِّهِم، فرَبَطُوهم بها. مُتَّفَقٌ عليه (٢٣). فعاصمٌ أخَذَ بالعَزِيمَةِ، وخُبَيْبٌ وزيد أخَذا بَالرُّخْصَةِ، وكلُّهم محمودٌ غيرُ مَذْمُوِمٍ ولا مَلُومٍ.

فصل: وإذا كان العَدُّوّ أكثرَ من ضِعْفِ المسلمين، فغلَب على ظَنِّ المسلمين الظَّفَرُ، فالأوْلَى لهم الثَّباتُ؛ لما فى ذلك من المَصْلَحَةِ، وإن انْصَرَفُوا جازَ؛ لأنَّهم لا يَأْمَنُون العَطَبَ، والحُكْمُ عُلِّقَ على مَظِنَّتِه، وهو كَوْنُهم أقلُّ من نِصْفِ (٢٤) عَدُوِّهم (٢٥)، ولذلك لزِمَهُم الثَّباتُ إذا كانوا أكثرَ من النِّصْفِ، وإِنْ غلبَ على ظَنِّهِم الهلاكُ فيه. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهم الثَّباتُ إنْ (٢٦) غَلَبَ على ظَنِّهِم الظَّفَرُ؛ لما فيه من الصلحَةِ. وإن غَلَبَ على ظَنِّهم الهلاكُ فى الإِقامَةِ، والنَّجاةُ فى الانْصِرافِ، فالأَوْلَى لهم الانْصِرافُ، وإِنْ ثَبَتُوا جازَ؛ لأنَّ لهم غرضًا فى الشهادَةِ، ويجوزُ أَنْ يغْلِبُوا أيضًا. وإِنْ غلبَ على ظَنِّهِم الهلاكُ فى الإِقامَةِ والانْصِرافِ، فالأَوْلَى لهم الثَّباتُ؛ ليَنالُوا دَرَجَةَ الشُّهداءِ المُقْبِلَين على القتالِ مُحْتَسِبين، فيكونُون أَفْضلَ من المُوَلِّين، ولأنَّه يجوزُ أَنْ يَغْلِبُوا أيضًا؛ فإنَّ اللَّه تعالَى يقول: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (٢٧). ولذلك صَبَرَ عاصمٌ وأصحابُه، فقاتَلُوا حَتَّى أكرَمَهُم اللَّه بالشَّهادَةِ.


(٢٢) الفدفد: المكان الصلب الغليظ.
(٢٣) أخرجه البخارى، فى: باب هل يتأسر الرجل ومن لم يتأسر. . .، من كتاب الجهاد، وفى: باب حدثنى عبد اللَّه بن محمد الجعفى. . . .، وباب غزوة الرجيع ورعل وذكوان. . .، من كتاب المغازى. صحيح البخارى ٤/ ٨٢، ٨٣، ٥/ ١٠٠، ١٠١، ١٣٢، ١٣٣.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الرجل يتأسر، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٤٧. والإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٩٤، ٣١٠. ولم نجده فى صحيح مسلم، وانظر: تحفة الأشراف ١٠/ ٢٨٩.
(٢٤) فى ب: "ضعف".
(٢٥) فى الأصل، م: "عددهم".
(٢٦) فى أ، ب: "إذا".
(٢٧) سورة البقرة ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>