للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (٤) الأذَى يَصْلُحُ أنْ يكونَ عِلَّةً. فيُعَلَّلُ به، وهو مَوْجُودٌ في المُسْتَحاضةِ، فيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ في حَقِّها. ورُوِىَ عن أحمدَ إبَاحَةُ وَطْئِها مُطْلَقًا، مِن غيرِ اشْتِراطٍ (٥). وهو قولُ أكْثَرِ الفُقَهاءِ؛ لما رَوَى أبو داود (٦) عن عِكْرِمَةَ، عن حَمْنَةَ بنْتِ جَحْشٍ، أنَّها كانتْ مُسْتَحَاضَةً، وكان زَوْجُهَا يُجَامِعُها. وقال (٧): كانتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ، وكان زَوْجُها يغْشَاها. ولأنَّ حَمْنةَ كانتْ تحتَ طَلْحَةَ، وأُمُّ حَبِيبَةَ تحتَ عبد الرحمن بنِ عَوْفٍ، وقد سَألتا رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أحْكامِ المُسْتَحَاضَةِ، فلو كان حرامًا لَبَيَّنَه لهما. وإنْ خافَ على نَفْسِه الوُقُوعَ في مَحْظُورٍ إنْ تَرَكَ الوَطْءَ، أُبِيحَ على الرِّوَايَتَيْن، لأنَّ حُكْمَهما أخَفُّ مِن حُكْمِ الحائِضِ، ولو وَطِئَها مِن غيرِ خَوْفٍ، فلا كَفَّارَةَ عليه؛ لأنَّ الوُجُوبَ مِن الشَّرْعِ، ولم يَرِدْ بإِيجابِها في حَقِّها، ولا هي في مَعْنَى الحائِضِ لما بينهما مِن الاخْتِلَافِ. وإذا انْقَطَعَ دَمُها، أُبِيحَ وَطْؤُها مِن غيرِ غُسْلٍ؛ لأنَّ الغُسْلَ ليس بِواجِبٍ عليها، أشْبَهَ سَلَسَ البَوْلِ.

١٠١ - مسألة؛ قال: (والمُبْتَلَى بِسَلَسِ البَوْلِ، وكَثْرَةِ المَذْىِ، فَلَا يَنْقَطِعُ، كَالمُسْتَحَاضَةِ، يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، بَعْدَ أنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ)

وجملتُه أنَّ المُسْتحاضةَ، ومَنْ به سَلَسُ البولِ أو المَذْىُ، أو الجَرِيحَ الذي لا يرْقَأُ دَمُه، وأشْبَاهَهم مِمَّنْ يسْتَمِرُّ منه الحَدَثُ ولا يُمْكِنُه حِفْظُ طَهارَتِه، عليه الوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بعدَ غَسْلِ مَحَلِّ الحَدَثِ، وشَدِّه والتَّحَرُّزِ مِنْ خُرُوجِ الحَدَثِ بما يُمْكِنُه. فالمُسْتَحَاضَةُ تَغْسِلُ المَحَلَّ، ثم تَحْشُوهُ بقُطْنِ أو ما أشْبَهه، لِيَرُدَّ الدَّمَ؛ لِقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِحَمْنَة، حين شَكَتْ إليه كثرةَ الدَّمِ: "أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ، فإنَّه يُذْهِبُ الدَّمَ" (١). فإنْ لم يَرْتَدَّ الدَّمُ بالقُطْنِ، اسْتَثْفَرَتْ بِخِرْقَةٍ مُشْقُوقةِ الطَّرَفين، تشُدُّها على جَنْبَيْها ووَسَطُها على الفَرْجِ، وهو المذكورُ في حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ:


(٤) سورة المائدة ٣٨.
(٥) في م: "شرط".
(٦) في: باب المستحاضة يغشاها زوجها، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٧٤.
(٧) انظر: الموضع السابق من سنن أبى داود.
(١) تقدم في صفحة ٤٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>