للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمالِ، وأمَّا الزِّنَى بجاريتِه، فيجبُ به الحَدُّ؛ لأنَّه لا شُبْهَةَ له فيها، بخلافِ المالِ.

فصل: فأمَّا سائِرُ الأقاربِ، كالإِخْوَةِ والأخواتِ، ومَن عَداهُم، فَيُقْطَعُ بسَرِقةِ مالِهم، ويُقْطَعُونَ بسرِقةِ مالِه. وبه قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُقْطَعُ بالسَّرِقَةِ من ذى رَحِمٍ؛ لأنَّها (٨) قَرابةٌ تمنعُ النِّكاحَ، وتُبيحُ النَّظَرَ، وتُوجِبُ النَّفَقَةَ، أشْبَهَ قرابةَ الوِلادةِ. ولَنا، أنَّها قَرَابةٌ لا تَمْنعُ الشَّهادَةَ، فلا تَمْنعُ القَطْعَ، كَقرابةِ غيرِه، وفارقَ قرابةَ الوِلادَةِ بهذا.

فصل: وإن سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجين من مالِ الآخَرِ، فإن كانَ ممَّا ليس مُحْرَزًا عنه، فلا قَطْعَ فيه، وإن سَرَقَ ممَّا أحْرزَه عنه. ففيه رِوَايتان؛ إحْداهما، لا قَطْعَ عليه. وهى اختيارُ أبى بكرٍ، ومذهبُ أبى حنِيفَة؛ لقولِ عمرَ رَضِيَ اللَّه عنه لعبدِ اللَّه بن عمرو بنِ الحَضْرَمِىّ، حينَ قال له: إنَّ غُلامِى سَرَقَ مِرَآةَ امرأتِى: أرْسِلْه، لا قَطْعَ عليه، خادِمُكُمْ أخذَ مَتاعَكم. وإذا لم يُقْطَعْ عبدُه بسرقَةِ مالِهَا، فهو أَوْلَى، ولأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يَرِثُ صاحِبَه بغيرِ حَجْبٍ، ولا تُقْبَلُ شهادتُه له، ويتَبسَّطُ في مالِ الآخَرِ عادَةً، فأشْبَهَ الوالِدَ والولَدَ. والثانية، يُقْطَعُ. وهو مذهبُ مالِكٍ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ؛ لعُمومِ الآيةِ، ولأنَّه سَرَقَ مالًا مُحْرَزًا عنه، لا شُبْهَةَ له فيه، أشْبَهَ الأجْنَبِىَّ. وللشَّافِعِىِّ كالرِّوايتَيْنِ. وقولٌ ثالثٌ، أنَّ الزَّوْجَ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مالِ الزَّوْجَةِ؛ لأنَّه لا حَقَّ له فيه، ولا تُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مالِه؛ لأنَّ لها النَّفَقةَ فيه.

فصل: ولا قَطْعَ على مَن سرقَ من بيتِ المالَ إذا كان مُسْلِمًا، ويُرْوَى ذلك عن عمرَ وعلىٍّ، رَضِيَ اللهُ عنهما. وبه قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، والشَّافِعِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وقال حَمَّادٌ، ومالكٌ، وابنُ المُنْذِرِ: يُقْطَعُ؛ لظاهِرِ الكتابِ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ ماجَه (٩)، بإسْنادِه عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ عبدًا من رَقيقِ الخُمْسِ، سرقَ من الخُمْسِ، فرُفِعَ ذلك إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يَقْطَعْهُ، وقال: "مالُ اللهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بعضًا".


(٨) في ب: "لأنه".
(٩) في: باب العبد يسرق، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>