للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالِه، والأُولَى أوْلَى؛ لأنَّ ضَررَ تَضْييعِ الحقِّ أعظمُ من هذا. وللمُسْتَعْدَى (٢٩) عليه أن يُوَكِّلَ مَن يقومُ مَقامَه إن كرِهَ الحُضورَ. وإن كان المُسْتَعْدَى (٢٩) عليه امرأةً نَظَرْتَ؛ فإن كانتْ بَرْزَةً، وهى التى تَبْرُزُ لقضاءِ حَوائجِها، فحُكْمُها حُكْمُ الرجلِ. وإن كانتْ مُخَدَّرةً، وهى التى لا تَبْرُزُ لقضاءِ حَوائجِها، أُمِرَتْ بالتَّوكيلِ. فإن تَوَجَّهتِ اليَمِينُ عليها، بعثَ الحاكمُ أمِينًا معه شاهِدَان، فيَسْتَحْلِفُها بحَضْرتِهما، فإن أقرَّتْ، شَهِدا عليها. وذكرَ القاضي أنَّ الحاكمَ يبْعَثُ مَن يَقْضِىَ بينَها وبينَ خَصْمِها فى دارِها. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأةِ هَذَا، فَإنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْهَا" (٣٠). فبعثَ إليها ولم يَسْتَدْعِها. وإذا حضَروا عندَها، كان بينها وبينَهم سِتْرٌ تتكلَّمُ مِن وَرائه، فإنِ اعْتَرفتْ للمدَّعِى أنَّها خَصْمُه، حَكَمَ بينهما، وإن أنْكرَتْ ذلك، جِىءَ بشاهِدَيْنِ من ذَوِى رَحِمِها، يَشْهَدان أنَّها المُدَّعَى عليها، ثم يُحْكَمُ بينهما، فإن لم تكُنْ له بَيِّنَةٌ، الْتَحَفتْ بجلْبابِها، وأُخْرِجتْ مِن وراءِ السِّتْرٍ لِموَضْعِ الحاجةِ. وما ذكَرْناه أوْلَى، إن شاءَ اللهُ؛ لأنَّه أسْتَرُ لها، وإذا كانت خَفِرَةً، منَعها الحَياءُ مِن النُّطْقِ بحُجَّتِها، والتَّعْبِيرِ عن نَفْسِها، سِيَّما مع جَهْلِها بالحُجَّةِ، وقِلَّةِ مَعْرِفتِها بالشَّرْعِ وحُجَجِه.

فصل: ولا يخْلُو المُستَعْدَى عليه مِن أن يكونَ حاضرًا أو غائبًا؛ فإن كان حاضرًا فى البلدِ أو قريبًا منه، فإن شاءَ الحاكمُ بعَثَ مع المُسْتَعْدِى عَوْنًا يُحْضِرُ المُدَّعَى عليه، وإن شاءَ بعثَ معه قِطْعةً من شَمْعٍ أو طِينٍ مَخْتُوما بخاتَمِه، فإذا بعثَ معه خَتْمًا، فعادَ فذكرَ أنَّه امْتَنعَ، أو كسَرَ الخَتْمَ، بعَثَ إليه عَوْنًا (٣١)، فإن امْتنعَ، أنفذَ صاحبَ الْمَعُونةِ فأحْضَرَه، فإذا حضرَ وشهِدَ عَليه شاهِدَانِ بالامْتِناعِ، عزَّرَه إن رأى ذلك، بحسَبِ ما يَراهُ، تَأْديبًا له، إما بالكلامِ وكشْفِ رأْسِه، أو بالضَّرْبِ أو بالحَبْسِ، فإن


(٢٩) فى م: "وللمستدعى".
(٣٠) تقدم تخريجه، فى: ١٢/ ٣١٣.
(٣١) فى ب، م: "عيونا".

<<  <  ج: ص:  >  >>