الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أخِيهِ" (٧). وعن أبى الدَّرْدَاءِ، أنَّه قال: "لَأَنْ أُقْرِضَ دِينَارَيْنِ ثم يُرَدَّانِ، ثم أُقْرِضَهُما، أحَبُّ إلَىَّ مِنْ أن أتَصَدَّقَ بهما. ولأنَّ فيه تفْرِيجًا عن أخِيهِ المُسْلِمِ، وقَضَاءً لحَاجَتِه، وعَوْنًا له، فكان مَنْدُوبًا إليه، كالصَّدَقَةِ عليه وليس بوَاجِبٍ. قال أحْمدُ: لا إثْمَ على مَن سُئِلَ القَرْضَ فلم يُقْرِضْ. وذلك لأنَّه من المَعْرُوفِ، فأشْبَه صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ. وليس بمَكْرُوهٍ فى حَقِّ المُقْرَضِ. قال أحمدُ: ليس القَرْضُ من المَسْأَلَةِ. يعنى ليس بمَكْرُوهٍ؛ وذلك لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يَسْتَقْرِضُ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ أبى رَافِعٍ، ولو كان مَكْرُوهًا، كان أبْعَدَ النَّاسِ منه. ولأنَّه إنَّما يَأْخُذُه بعِوَضِه، فأشْبَه الشِّرَاءَ بِدَيْنٍ فى ذِمَّتِه. قال ابنُ أبى موسى: لا أُحِبُّ أن يَتَحَمَّلَ بأَمَانَتِه ما ليس عِنْدَه. يَعْنِى ما لا يَقْدِرُ على وَفَائِه. ومَن أرَادَ أن يَسْتَقْرِضَ، فَلْيُعْلِمْ مَن يَسْأَلُه القَرْضَ بِحَالِهِ، ولا يَغرَّه مِن نَفْسِه، إلَّا أن يكونَ الشىءُ اليَسِيرُ الذى لا يَتعَذَّرُ رَدُّ مِثْلِه. قال أحْمَدُ: إذا اقْتَرَضَ لغيرِه ولم يُعْلِمْه بحَالِه، لم يُعْجِبْنِى. وقال: ما أُحِبُّ أن يَقْتَرِضَ بجَاهِهِ لِإخْوَانِه. قال القاضى: يعنى إذا كان مَن يَقْتَرِضُ له غيرَ مَعْرُوفٍ بالوَفَاءِ؛ لِكَوْنِه تَغْرِيرًا بمالِ المُقْرِضِ، وإضْرَارا به، أمَّا إذا كان مَعْرُوفًا بالوَفَاءِ، لم يُكْرَهْ؛ لِكوْنِه إعَانَةً له، وتَفْريجًا لِكُرْبَتِه.
فصل: ولا يَصِحُّ إلَّا من جَائِزِ التَّصَرُّفِ؛ لأنَّه عَقْدٌ على المالِ، فلم يَصِحَّ إلَّا من جَائِزِ التَّصَرُّفِ، كالبَيْعِ. وحُكْمُه فى الإيجَابِ والقَبُولِ حُكْمُ البَيْعِ، على ما مَضَى. ويَصِحُّ بِلَفْظِ السَّلَفِ والقَرْضِ؛ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بهما، وبكل لَفْظٍ يُؤَدِّى مَعْنَاهُما، مثل أن يقولَ: مَلَّكْتُكَ هذا، على أن تَرُدَّ عَلَىَّ بَدَلهُ. أو تُوجَدَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ
(٧) أخرجه مسلم، فى: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن. . .، من كتاب الذكر. صحيح مسلم ٤/ ٢٠٧٤ والترمذى، فى: باب ما جاء فى الستر على المسلم، من أبواب الحدود، وفى: باب ما جاء فى السترة على المسلم، من أبواب البر. عارضة الأحوذى ٦/ ١٩٩، ٨/ ١١٧، ١١٨. وابن ماجه، فى: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، من المقدمة، سنن ابن ماجه ١/ ٨٢. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٥٢، ٢٩٦، ٥٠٠، ٥١٤.