للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّه أرْخَصَ في العَرَايَا. والرُّخْصَةُ اسْتِباحَةُ المَحْظورِ، مع وُجُودِ السببِ الحاظِرِ، فلو مَنَعَ وُجُودُ السببِ من الاسْتِباحَةِ، لم يَبْقَ لنا رُخْصَةٌ بحالٍ.

الفصل الثانى، أنَّها لا تجوزُ في زِيادَةٍ على خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، بغير خِلافٍ نَعْلَمُه، وتَجوزُ فيما دون خمسةِ أَوسُقٍ، بغير خِلافٍ بين القائِلِينَ بِجَوازِها. فأمَّا في خمسة أوْسُقٍ، فلا يجوزُ عند إمامِنا رَحِمَهُ اللهُ. وبه قال ابنُ المُنْذِرِ، والشَّافِعِيُّ في أحدِ قَوْلَيْهِ. وقال مالِكٌ، والشَّافِعِيُّ في قولٍ: يجوزُ. ورَواه إسْماعِيلُ بن سَعِيدٍ عن أحمدَ؛ لأنَّ في حَدِيثِ زَيْدٍ وسَهْلٍ أنَّه رَخَّصَ في العَرِيَّةِ، مُطْلَقًا، ثم اسْتَثْنَى ما زادَ على الخمسةِ في حَدِيثِ أبي هريرةَ، وشَكَّ في الخَمْسَةِ فاسْتَثْنَى اليَقِينَ، وبَقِىَ المَشْكُوكُ فيه على مُقْتَضَى الإِباحَةِ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن (٦) المُزَابَنَةِ. والمُزابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ (٧) بالتَّمْرِ، ثم أرْخَصَ في العَرِيَّةِ فيما دون خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وشَكَّ في الخَمْسَةِ، فيَبْقَى على العُمُومِ في التَّحْرِيمِ. ولأنَّ العَرِيَّةَ رُخْصَةٌ بُنِيَتْ على خِلافِ النَّصِّ والقِياسِ يَقِينًا فيما دون الخَمْسَةِ، والخَمْسَةُ مَشْكُوكٌ فيها، فلا تَثْبُتُ إباحَتُها مع الشَّكِّ ورَوَى ابنُ المُنْذِرِ (٨)، بإسْنادِهِ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ في بَيْعِ العَرِيَّةِ في الوَسْقِ والوَسْقَيْنِ والثَّلاثةِ والأرْبَعَةِ. والتَّخْصِيصُ بهذا يَدُلُّ على أنّه لا تجوزُ الزِّيادَةُ [في العَدَدِ] (٩) عليه، كما اتَّفَقْنا على أنَّه لا تجوزُ الزِّيادَةُ على الخمسةِ؛ لِتَخْصِيصِه إيَّاها بالذِّكْرِ. ورَوَى مُسْلِمٌ (١٠) عن سَهْلٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ في بَيْعِ العَرِيَّةِ؛ النَّخْلةِ والنَّخْلَتَيْنِ. ولأنَّ خَمْسَةَ الأوْسُقِ في حُكْمِ ما زادَ عليها؛


(٦) سقط من: م.
(٧) في م: "الرطب".
(٨) وأخرجه البيهقى، في: باب ما يجوز من بيع العرايا، من كتاب البيوع. السنن الكبرى ٥/ ٣١١.
(٩) سقط من: الأصل.
(١٠) في: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع. صحيح مسلم ٣/ ١١٧٠. كما أخرجه البخارى، في: باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة، وباب تفسير العرايا، من كتاب البيوع. صحيح البخارى ٣/ ٩٩، ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>