للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَصْرِفُه وهو الحُبُسُ، فهو بمَنْزِلَة ما لو عُرِفَ صاحِبُه. قيل لأحمدَ: فالجواميسُ تُدْرَكُ وقَدْ ساقَها العدوُّ للمسلمين، وقد رُدَّتْ، يُؤْكَلُ منها؟ قال: إذا عُرِفَ لمَنْ هى، فلا يُؤْكَلُ منها. قيل لأحمدَ: فما حازَ العَدُوُّ للمسلمين، فأصابَه (٢٥) المسلمون، أعليهم أنْ يقِفُوه حتّى يَتَبَيَّنَ صاحِبُه؟ قال: إذا عُرِفَ فقيل: هو (٢٦) لفُلانٍ. وكان صاحِبُه بالقُرْبِ. قيل له: أُصِيبَ غلامٌ فى بلادِ الرومِ، فقال: أنا لفلانٍ. رجُلٍ بمصرَ (٢٧)؟ قال: إذا عُرِفَ الرجلُ، لم يُقْسَمْ مالُه (٢٨)، ورُدَّ على صاحِبِه. قيل له: أصَبْنا مَرْكَبًا فى بلادِ الرُّومِ، فيها النَّواتِيَّةُ (٢٩)، قالُوا: هذا لفلانٍ، وهذا لفلانٍ. قال: هذا قد عُرِفَ صاحِبُه، لا يُقْسَمُ.

فصل: قال القاضى: يَمْلِكُ الكُفَّارُ أموالَ المسلمين بالقَهْرِ. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنِيفَةَ. وقال أبو الخَطَّاب: لا يَمْلِكُونها. وهو قولُ الشافِعِىِّ. قال (٣٠): وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، حيثُ قال: إنْ أدْرَكَه صاحِبُه قبلَ القَسْمِ (٣١)؛ فهو أحَقُّ به. قال (٣٢): وإنّما مَنَعَه أخْذَه بعدَ قَسْمِه، لأنَّ قِسْمَةَ الإِمامِ له تَجْرِى مَجْرَى الحُكْمِ، ومتى صادَفَ الحكمُ أمرًا مُجْتهَدًا فيه، نفَذَ حُكْمُه. وحُكِىَ عن أحمدَ فى ذلك روايتان، واحتَجَّ من قال: لا يَمْلِكُونها بحديثِ ناقَةِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأنَّه مالٌ معصومٌ، طرأَتْ عليه يَدٌ عادِيَةٌ، فلم يُمْلَكْ بها، كالغَصْبِ، ولأنَّ مَنْ لا يملِكُ رَقَبَةَ غيرِه بالقَهْرِ، لم يَمْلِكْ مالَه به، كالمُسلمِ مع المسلمِ. ووَجْهُ الأوَّل، أنَّ القَهْرَ سبَبٌ يملِكُ به المسلمُ مالَ الكافِرِ، فملَكَ به الكافِرُ مالَ المسلمِ، كالبَيْعِ. فأمَّا الناقَةُ، فإنَّما أخَذَها النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنَّه أدْرَكَها غيرَ مَقْسُومَةٍ ولا مُشْتَراةٍ. فعلى هذا، يَمْلِكُونَها قبلَ حِيازَتِها إلى دارِ الكُفْرِ. وهو قولُ مالكٍ. وذكر القاضِى أنَّهم إنَّما يَمْلِكُونها بالحيازَةِ إلى دارِهم. وهو قولُ أبى حنيفة. وحُكِىَ فى


(٢٥) فى أ: "فأصابوه".
(٢٦) فى أ: "هذا"
(٢٧) سقط من: م.
(٢٨) سقط من: أ، ب.
(٢٩) النواتي: الملاح الذي يدير السفينة في البحر.
(٣٠) سقط من: أ.
(٣١) فى م: "القسمة"
(٣٢) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>