للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس، أنَّه لا يجوزُ بَيْعُها إلَّا لِمُحْتاجٍ إلى أكْلِها رُطَبًا، ولا يجوزُ بَيْعُها لِغَنِيٍّ. وهذا أحدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِيِّ، وأباحَها في القولِ الآخَرِ مُطْلَقًا لكلِّ أحدٍ؛ لأنَّ كلَّ بَيْعٍ جازَ لِلْمُحتاجِ، جازَ لِلغَنِيِّ، كسائِرِ البِياعاتِ، ولأنَّ حَدِيثَ أبي هُرَيْرَةَ وسَهْلٍ (٣٠) مُطْلَقَانِ. ولَنا، حَدِيثُ زَيْدِ بن ثابِتٍ (٣١)، حين سَأَلَه مَحْمُودُ بن لَبيدٍ ما عَرَايَاكُم هذه؟ فسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ من الأَنْصَارِ، شَكَوْا إلى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ الرُّطَبَ يَأْتِى ولا نَقْدَ بأَيْدِيهم يَبْتَاعُونَ به رُطَبًا يَأْكُلُونَه، وعندهم فُضُولٌ من التَّمْرِ، فرَخَّصَ لهم أنْ يَبْتَاعُوا العَرَايَا بِخَرْصِها من التَّمْرِ يَأْكُلُونَه رُطَبًا. ومتى خُولِفَ الأصْلُ بِشَرْطٍ، لم تَجُزْ مُخالَفَتُه بدون ذلك الشَّرْطِ. ولأنَّ ما أُبِيحَ لِلحاجَةِ، لم يُبَحْ مع عَدَمِها، كالزَّكاةِ للمَساكِينِ، والتَّرَخُّصِ (٣٢) في السَّفَرِ. فعلى هذا، متى كان صاحِبُها غيرَ مُحْتاجٍ إلى أكْلِ الرُّطَبِ، أو كان مُحْتاجًا، ومعه من الثَّمَنِ ما يَشْتَرِى به العَرِيَّةَ، لم يَجُزْ له شِراؤُها بالتَّمْرِ، وسواءٌ باعَها لِواهِبِها تَحَرُّزًا من دُخُولِ صاحِبِ العَرِيَّةِ حائِطَه كمذهبِ مالِكٍ، أو لغيره، فإنَّه لا يجوزُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يُباحُ. ويَحْتَمِلُه كَلامُ أحمدَ؛ لأنَّ الحاجَةَ وُجِدَتْ من الجانِبَيْنِ، فجازَ. كما لو كان المُشْتَرِى مُحْتاجًا إلى أكْلِها. ولنا، حَدِيثُ زَيْدٍ الذى ذَكَرْناهُ، والرُّخْصَةُ لمعنًى خاصٍّ لا تَثْبُتُ مع عَدَمِه، ولأنَّ في حَدِيثِ زَيْدٍ وسَهْلٍ: "يَأْكُلُها أهْلُها رُطَبًا". ولو جازَ لِتَخْلِيصِ المُعَرَّى لَما شَرَطَ ذلك. فيُشترطُ إذًا في بَيْعِ العَرِيَّةِ شُرُوطٌ خمسةٌ، أنْ يكونَ فيما دون خَمْسَةِ أَوسُقٍ، وبَيْعُها بخَرْصِها من التَّمْرِ، وقَبْضُ ثَمَنِها قبل التَّفَرُّقِ، وحاجَةُ المُشْتَرِى إلى أكلِ الرُّطَبِ، وأنْ لا يكونَ معه ما يَشْتَرِى به سِوَى التَّمْرِ. واشْتَرَطَ القاضِى وأبو بَكرٍ شَرْطًا سادِسًا، وهو حاجَةُ البائِع إلى البَيْعِ. واشْتَرَطَ الخِرَقِيُّ، كَوْنَها مَوْهُوبَةً لبائِعِها. واشْتَرَطَ أصْحابُنا لِبَقاءِ العَقْدِ، بأنْ


(٣٠) حديث أبي هريرة تقدم في صفحة ١٢٠، وحديث سهل تقدم في صفحة ١٢١.
(٣١) تقدم تخريج حديث زيد بن ثابت في صفحة ١٢٤.
(٣٢) في الأصل: "الرخص".

<<  <  ج: ص:  >  >>