للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أن الفَيْئَةَ بَعْدَ أربعةِ أشْهُرٍ؛ لِذِكْرِه الفَيْئَةَ بعدَها بالفاءِ المُقْتَضِيَةِ لِلتَّعْقِيبِ، ثم قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (٦). ولو وَقَعَ بِمُضِىِّ المدَّةِ، لم يَحْتَجْ إلى عَزْمٍ عليه، وقولُه: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يَقْتَضِى أَنَّ الطَّلاقَ مَسْمُوعٌ، ولا يكونُ المَسموعُ إلَّا كَلامًا، ولأنَّها مُدَّةٌ ضُرِبَتْ له تَأْجيلًا، فلم يَسْتَحِقَّ المُطالبَةَ فيها، كسائِرِ الآجالِ، ولأنَّ هذه مدَّةٌ لم يَتَقَدَّمْها إيقاعٌ، فلا يَتَقَدَّمُها وُقوعٌ، كمُدَّة العُنَّةِ. ومُدَّةُ العُنَّةِ حجَّةٌ لنا؛ فإنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ إلَّا (٧) بمُضِيِّها، ولِأَنَّ مدَّةَ العُنَّةِ ضُرِبَتْ له ليُخْتَبَرَ فيها، ويُعْرَفَ عَجْزُه عن الوَطْءِ بتَرْكِهِ فى مدَّتِها، وهذه ضُرِبَتْ تأخيرًا له وتأجيلًا، ولا يَسْتَحِقُّ المُطالَبَةَ إلَّا بعدَ مُضِىِّ الأَجَلِ، كالدَّيْنِ.

فصل: وابتداءُ المُدَّةِ من حينِ اليمينِ، ولا يَفْتَقِرُ إلى ضَرْبِ مدَّةٍ؛ لِأنَّها ثَبَتَتْ بالنَّصِّ والإِجْماعِ، فلم تَفْتَقِرْ إلى ضَرْبٍ (٨)، كمُدَّة العُنَّةِ. ولا يُطالَبُ بالوَطْءِ فيها؛ لما ذَكَرْنا، فإنْ وَطِئَها (٩) فيها فَقَدْ عَجَّل (١٠) حَقَّها قبلَ مَحِلِّه، وخَرَجَ من الإِيلاءِ، كمَن عليه دَيْنٌ (١١) دَفَعَه قبل الأَجَلِ. وهكذا إنْ وَطِئَ بعدَ المدَّةِ، قبلَ المُطالَبَةِ أو بَعدَها، خرَج من الإِيلاءِ. وسواءٌ وَطِئَها، وهى عاقِلةٌ أو مجنونةٌ، أو يَقْظانةٌ أو نائِمةٌ؛ لِأنَّه فَعَلَ ما حَلَفَ عليه، فإنْ وَطِئَها وهو مَجْنُونٌ، لم يَحْنَثْ. ذَكَرَه ابنُ حامدٍ. وهو قَوْلُ الشَّعْبِىِّ. وقال أبو بكرٍ: يَحْنَثُ، وعليه الكَفَّارةُ؛ لأنَّه فعَل ما حَلَفَ عليه. والأوَّل أصحُّ؛ لِأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، والقَلَمُ عنه مَرْفوعٌ، ويخْرُجُ بِوَطْئِه عن الإِيلاءِ؛ لِأنَّه قد وَفَّاها حقَّها، وحَصَلَ منه فى حقِّها ما يَحْصُلُ من العاقِلِ، وإنَّما تَسْقُطُ الكفَّارَةُ عنه لِرَفْعِ القَلَمِ عنه. ذَكَرَ هذا ابنُ حامِدٍ. وهو أَحَدُ الوَجْهين لأصْحابِ الشَّافِعىِّ. وذَكَرَ القاضى ما


(٦) سورة البقرة ٢٢٧.
(٧) فى م زيادة: "إلا".
(٨) فى أزيادة: "مدة".
(٩) فى أ: "وطئ".
(١٠) فى أ، ب، م: "عجلها".
(١١) سقط من: أ، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>