للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَرَةِ حتى يَبْدُوَ صلاحُها (٢). فمَفْهُومُه إباحَةُ بَيْعِها بعدَ بُدُوِّ صلاحِها، والمَنْهِىُّ عنه قبلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ عندَهم البَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، فيَجِبُ أنْ يَكُونَ ذلك جائِزًا بعدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ، وإلَّا لم يَكُنْ بُدُوُّ الصَّلاحِ غايَةً، ولا فائِدَةَ في ذِكْرِه. ولأنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حتى يَبْدُوَ صَلاحُها، وتَأْمَنَ العاهَةَ (٣). وتَعْلِيلُه بأمْنِ العاهَةِ يَدُلُّ على التَّبْقِيَةِ؛ لأنَّ ما يُقْطَعُ في الحالِ لا يُخافُ العاهَةُ عليه، وإذا بدا الصَّلاحُ فقد أُمِنَتِ العاهَةُ، فيَجِبُ أنْ يَجُوزَ بَيْعُه مُبَقًّى لِزَوالِ عِلَّة المَنْع، ولأنَّ النَّقْلَ والتَّحْوِيلَ يَجِبُ في المَبِيعِ بِحُكْمِ العُرْفِ، فإذا شَرَطَه جازَ، كما لو شَرَطَ نَقْلَ الطَّعامِ مِن مِلْكِ البائِعِ حَسَبَ الإِمكانِ. وفي هذا انْفِصالٌ عمَّا ذَكَرُوه.

فصل: ولا يَخْتَلِفُ المذهبُ أنَّ بُدُوَّ الصَّلاحِ في بعضِ ثَمَرَةِ النَّخْلَةِ، أو الشَّجَرَةِ صَلاحٌ لجميعِها، أعْنِى أنّه يُباحُ [بَيْعُ جميعِها] (٤) بذلك. ولا أعلمُ فيه اختلافًا، وهل يجوزُ بَيْعُ سائِر ما في البُسْتانِ مِن ذلك النَّوْعِ؟ فيه رِوايَتانِ؛ أظْهَرُهما جوازُه. وهو قولُ الشَّافِعِيِّ، ومحمدِ بن الحسنِ. وعنه: لا يجوزُ إلَّا بَيْعُ ما بَدا صلاحُه؛ لأنَّ ما لم يَبْدُ صلاحُه داخلٌ في عُمُومِ النَّهْىِ، ولأنَّه لم يَبْدُ صلاحُه، فلم يَجُزْ بَيْعُه مِن غير شَرْطِ القَطْعِ، كالجِنْسِ الآخَرِ، وكالذي في البُسْتانِ الآخَرِ. وَوَجْهُ الأُولَى أنَّه بدا الصَّلاحُ في نَوْعِه مِن البُسْتانِ الذي هو فيه، فجازَ بَيْعُ جمِيعِه، كالشَّجَرَةِ الواحِدَةِ، ولأنَّ اعْتِبارَ بُدُوِّ الصَّلاحِ في الجميعِ يَشُقُّ، ويُؤَدِّى إلى الاشْتِراكِ واختلافِ الأيْدِى، فوَجَبَ أنْ يَتْبَعَ ما لم يَبْدُ صلاحُه مِن نَوْعِه لما بدا، على ما ذَكَرْنا فيما أُبِّر بَعْضُه دُونَ بعضٍ. فأمَّا نَوْعٌ آخَرُ مِن ذلك الجِنْسِ، فقال القاضى: لا يَتْبَعُه. وهو أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحابِ الشَّافِعِيِّ. وقال محمد بن الحسنِ: ما كان مُتَقارِبَ الإِدراكِ، فبُدُوُّ صَلاحِ بَعْضِه يجوزُ به بَيْعُ جميعِه، وإنْ كان يَتَأَخَّرُ إدراكُ


(٢) تقدم تخريجه في صفحة ١٤٨.
(٣) أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٦/ ١٠٥، ١٠٦.
(٤) في الأصل: "بيعها جميعا".

<<  <  ج: ص:  >  >>