للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَجْرِ لا يَنْدَفِعُ به الضَّرَرُ. ولأنَّه يَقِفُ على الحاكِمِ، ويَتَعَذَّرُ (١٥) ذلك فى الغالِبِ. ولأنَّ ما أثْبَتَ الحَجْرَ والفَسْخَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، فهو أوْلَى أنْ يَمْنَعَ التَّسْلِيمَ؛ لأنَّ المَنْعَ أسْهَلُ مِن الرَّفْعِ، والمَنْعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أسْهَلُ مِن المَنْعِ بعدَه، ولذلك مَلَكَتِ المَرْأةُ مَنْعَ نَفْسِها قبلَ قَبْضِ صَداقِها، قبلَ تَسْلِيم نَفْسِها، ولم تَمْلِكْهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. ولأنّ للبَائِعِ مَنْعَ المَبِيعِ قبلَ قَبْضِ ثَمَنِه، أو كَوْنِه بمَنْزِلَةِ المَقْبُوضِ؛ لإِمكانِ تَقْبِيضِه، وإلّا (١٦) فلا، وكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: له الفَسْخُ. فله ذلك بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ؛ لأنَّه فَسْخٌ للبَيْعِ للإِعسارِ بثَمَنِه، فمَلَكَه البائِعُ، كالفَسْخِ فى عَيْنِ مالِه إذا أفْلَسَ المُشْتَرِى. وكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: يُحْجَرُ عليه. فذلك إلى الحاكِمِ؛ لأنَّ وِلايةَ الحَجْرِ إليه.

فصل: فإنْ هَرَبَ المُشْتَرِى قَبْلَ وَزْنِ الثَّمَنِ، وهو مُعْسِرٌ، فللبائِعِ الفَسْخُ فى الحالِ، لأنّه إذا مَلكَ الفَسْخَ مع حُضُورِه، فمع هَرَبِهِ أوْلَى. وإنْ كان مُوسِرًا أثْبَتَ البائِعُ ذلك عِنْدَ الحاكِمِ، ثم إنْ وَجَدَ الحاكِمُ له مالًا (١٧) قَضاه، وإلّا باعَ المَبِيعَ، وقَضَى ثَمَنَه منه، وما فَضَلَ فهو للمُشْتَرِى، وإنْ أعْوَزَ ففى ذِمَّتِه. ويَقْوَى عِنْدِى أنّ للبائِعِ الفَسْخَ بكُلِّ حالٍ، لأنَّنا أبَحْنا له الفَسْخَ مع حُضُورِه، إذا كان الثَّمَنُ بَعِيدًا عن البَلَدِ، لِمَا عليه مِن ضَرَرِ التَّأْخِيرِ، فهاهُنا مع العَجْزِ عن الاسْتِيفاءِ بكُلِّ حالٍ أوْلَى. ولا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بِرَفْعِ الأمرِ إلى الحاكِمِ، لعَجْزِ البائِعِ عن إثباتِه عندَ الحاكِمِ، وقد يَكُونُ البَيْعُ فى مكانٍ لا حاكِمَ فيه، والغالِبُ أنَّه لا يَحْضُرُه مَن يَقْبَلُ الحاكِمُ شَهادَتَه، فإحالَتُه على هذا تَضْيِيعٌ لمالِه. وهذه الفُرُوعُ تُقَوِّى ما ذَكَرْتُه، مِن أنّ للبائِعِ مَنْعَ المُشْتَرِى مِن قَبْضِ المَبِيعِ قَبْلَ إحضارِ ثَمَنِه؛ لِمَا فى ذلك مِن الضَّرَرِ.


(١٥) فى الأصل: "ويعذر".
(١٦) فى الأصل: "ومالا".
(١٧) فى الأصل زيادة: "وإلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>