للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَعَلُّقِ حَقِّ البائِعِ بالذِّمَّةِ، وتَقْدِيمُ ما تَعَلَّقَ بالعَيْنِ أوْلَى؛ لِتَأكُّدِه، ولذلك يُقَدَّمُ الدَّيْنُ الذى به الرَّهْنُ فى ثَمَنِه على ما تَعَلَّقَ بالذِّمَّةِ، ويُخالِفُ الرَّهْنَ؛ فإنَّه لا تَتَعَلَّقُ به مَصْلَحَةُ عَقْدِ الرَّهْنِ، والتَّسْلِيمُ هاهُنا يَتَعَلَّقُ به مَصْلَحَةُ عَقْدِ البَيْعِ. وأمَّا إذا كان الثَّمَنُ عَيْنًا، فقد تَعَلَّقَ الحَقُّ بعَيْنهِ أيضًا، كالمَبِيعِ، فاسْتَوَيا، وقد وجَبَ لكُلِّ واحدٍ مِنهما على صاحِبِه حَقٌّ، قد اسْتَحَقَّ قَبْضَه، فأُجبِرَ كُلُّ واحدٍ مِنهما على إيفاءِ صاحِبِه حَقّه (١٢). ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُخْرَى؛ أنّ الذى يَتَعَلَّقُ به اسْتِقْرارُ البَيْعِ وتمامُه هو المَبِيعُ (١٣)، فوَجَبَ تَقْدِيمُه. ولأنَّ الثَّمَنَ لا يَتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ، فأشْبَهَ غيرَ المُعَيَّنِ. إذا ثَبَتَ هذا، وأوْجَبْنا التَّسْلِيمَ على البائِعِ، فسَلَّمَهُ، فلا يَخْلُو المُشْتَرِى مِن أنْ يَكُونَ مُوسِرًا، أو مُعْسِرًا، فإنْ كان مُوسِرًا والثَّمَنُ معه، أُجْبِرَ على تَسْلِيمِه، وإنْ كان غَائِبًا قَرِيبًا فى بَيْتِه أو بَلَدِه، حُجِرَ عليه فى المَبِيعِ وسائِرِ مالِه، حتى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، خَوْفًا مِن أنْ يَتَصَرَّفَ فى مالِه تَصَرُّفًا يَضُرُّ بالبائِعِ، وإنْ كان غَائِبًا عن البَلَدِ فى مسافةِ القَصْرِ، فالبائِعُ مُخَيَّرٌ بينَ أنْ يَصْبِرَ إلى أنْ يُوجَدَ، وبينَ فَسْخِ العَقْدِ؛ لأنَّه قد تَعَذَّرَ عليه الثَّمَنُ، فهو كالمُفْلِسِ، وإنْ كان دُونَ مسافةِ القَصْرِ، فله الخِيارُ فى أحدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا عليه. والثّانى، لا خِيارَ له؛ لأنَّ ما دُونَ مَسافةِ القَصْرِ بِمَنْزِلَةِ الحاضِرِ. وإنْ كان المُشْتَرِى مُعْسِرًا، فللبائِعِ الفَسْخُ فى الحالِ، والرُّجُوعُ فى المَبِيعِ. وهذا كُلُّه مذهبُ الشّافِعِىِّ. ويَقْوَى عِنْدِى أنَّه لا يَجِبُ عليه تَسْلِيمُ المَبِيعِ، حتى يُحْضِرَ الثَّمَنَ، ويَتَمَكَّنَ المُشْتَرِى مِن تَسْلِيمِه؛ لأنَّ البائِعَ إنّما رَضِىَ بِبَذْلِ المَبِيعِ بالثَّمَنِ، فلا يَلْزَمُه دَفْعُه قبلَ حُصُولِ عِوَضِه، ولأنَّ المُتَعاقِدَيْنِ سواءٌ فى المُعاوَضَةِ، فيَسْتَوِيانِ فى التَّسْلِيمِ، وإنَّما يُؤَثِّرُ ما ذُكِرَ مِن التَّرْجِيحِ فى تَقْدِيمِ التَّسْلِيمِ مع حُضُورِ العِوَضِ الآخَرِ؛ لعَدَمِ الضَّرَرِ فيه، وأمّا مع الخَطَرِ (١٤) المُحْوِجِ إلى الحَجْر، أو المَحْجُوزِ للفَسْخِ، فلا يَنْبَغِى أنْ يَثْبُتَ. ولأنَّ شَرْعَ


(١٢) سقط من: الأصل.
(١٣) فى م: "البيع".
(١٤) فى م: "الحظر".

<<  <  ج: ص:  >  >>