للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك صَحَّ إبْراءُ المَيِّتِ مع عدمَ القَبُولَ منه، ولو رَدَّ ذلك لم يَرْتَدّ (٢١)، وبَرِئَ منه، لما ذكَرْناه. وإن أحَبَّ العَفْوَ من الصَّداقِ فى ذِمَّتِه، لم يَصِحَّ العَفْوُ؛ لأنَّه إن كان فى ذِمَّةِ الزَّوْجِ فقد سَقَطَ عنه بالطَّلاقِ، وإن كان فى ذِمَّةِ الزَّوجةِ، فلا يَثْبُتُ فى ذِمَّتِها إلَّا النِّصْفُ الذى يَسْتَحِقُّه الزَّوجُ، وأمَّا النِّصْفُ الذى لها، فهو حَقُّها تصرَّفتْ فيه، فلم يَثْبُتْ فى ذِمَّتِها منه شىءٌ، ولأنَّ الجميعَ كان مِلْكًا لها تصَرَّفتْ فيه، وإنَّما يتجَدَّدُ مِلْكُ الزوجَ للنِّصْفِ بطَلاقِه، فلا يثْبُتُ فى ذِمَّتِها غيرُ ذلك. وأيُّهما أرادَ تَكْمِيلَ الصَّداقِ لصاحِبِه، فإنَّه يُجَدِّدُ له هِبةً مُبْتَدأةً (٢٢). وأمَّا إن كان الصَّداقُ عَيْنًا فى يد أحدِهما، فعَفَا الذى هو فى يَدِه للآخَرِ، فهو هِبَةٌ له، تَصِح بلَفْظِ العَفْوِ والهِبَةِ والتمْليكِ، ولا تَصِحُّ بلَفْظِ الإِبْراءِ والإِسْقاطِ، ويَفْتَقِرُ إلى القَبْض فيما يُشْتَرَطُ القَبْضُ فيه. وإن عَفَا غيرُ الذى هو فى يَدِه، صَحَّ بهذه الألفاظِ، وافْتَقرَ إلى مُضِىِّ زَمَنٍ يتَأتَّى القَبْضُ فيه، إن كان المَوْهُوبُ ممَّا يَفْتَقِرُ إلى القَبْضِ.

فصل: إذا أصْدَقَ امرأتُه عَيْنًا، فوَهَبَتْها له، ثم طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ (٢٣) بها، فعن أحمدَ فيه رِوَايتان؛ إحداهما، يَرْجِعُ عليها بنِصْفِ قِيمَتِها. وهو اختِيارُ أبى بكرٍ، وأحدُ قَوْلَى الشافعىِّ؛ لأنَّها عادتْ إلى الزَّوْجِ بعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ، فلا تمنعُ اسْتِحْقاقَها بالطَّلاقِ، كما لو عادَتْ إليه بالبَيْعِ، أو وهَبَتْها لأجْنَبِىٍّ ثم وَهَبَها (٢٤) له. والرِّواية الثانية، لا يَرْجِعُ عليها. وهو قولُ مالكٍ، والمُزَنِىِّ، وأحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ، وهو قولُ أبى حنيفةَ، إلَّا أن تَزِيدَ العينُ أو تَنْقُصَ، ثم تَهَبَها له؛ لأنَّ الصَّداقَ عادَ إليه، ولو لم تَهَبْه لم يَرْجعْ بشىءٍ، وعَقْدُ الهِبَةِ لا يَقْتَضِى ضَمانًا، ولأن نِصْفَ الصَّداقِ تَعَجَّلَ له بالهِبَةِ. فإن كان الصَّداقُ دَيْنًا، فأبرأتْه منه، فإن قُلْنا: لا يَرْجِعُ ثَمَّ. فههُنا أَوْلَى، وإن قُلْنا:


(٢١) فى أ، م زيادة: "منه".
(٢٢) فى م: "للمبتدأة".
(٢٣) فى الأصل: "أن يدخل".
(٢٤) فى م: "وهبتها".

<<  <  ج: ص:  >  >>