للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالشَّهادتَيْن، ولأنَّ الصلاةَ رُكْنٌ يَخْتَصُّ به الإِسلامُ، فحُكِمَ بإسلامِه به كالشَّهادتَيْنِ. واحتمالُ التَّقِيَّةِ والرِّياءِ، يَبْطُلُ بالشَّهادتَيْن. وسواءٌ كان أصْلِيًّا أو مُرْتَدًّا. وأمَّا سائِرُ الأرْكانِ، من الزكاةِ والصيامِ والحجِّ، فلا يُحْكَمُ بإسلامِه به، فإنَّ المُشرِكِين كانوا يَحُجُّون في عهدِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى مَنَعَهُم النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ" (١٥). والزكاةُ صَدَقَةٌ، وهم يَتَصدَّقُون. وقد فُرِضَ على نَصارى بنى تَغْلِبَ مِن الزكاةِ مِثْلَىْ ما يُؤْخَذُ من المسلمين، ولم يَصِيرُوا بذلك مسلمين، وأمَّا الصيامُ فلِكُلِّ أهلِ دِينٍ صِيامٌ، ولأنَّ الصيامَ ليسَ بفِعْلٍ، إنَّما هو إمساكٌ عن أفْعالٍ مَخْصُوصَةٍ في وقتٍ مَخْصُوصٍ، وقد يتَّفِقُ هذا من الكافرِ، كاتِّفاقِه من المسلِمِ، ولا عِبْرةَ بِنِيَّةِ الصِّيامِ؛ لأنَّها أَمْرٌ بَاطِنٌ، لا عِلْمَ لنا به، بخلافِ الصلاةِ، فإنَّها أفْعَالٌ تتمَيَّزُ عن أفعالِ الكفَّارِ، ويَخْتَصُّ بها أهلُ الإِسلامِ، ولا يَثْبُتُ الإِسلامُ حتى يأتِىَ بصلاةٍ يَتَمَيَّزُ بها عن صَلاةِ الكُفَّارِ، من اسْتقبالِ قِبْلتِنا، والرُّكُوعِ، والسُّجودِ، ولا يَحْصُلُ بمُجَرَّدِ القيامِ؛ لأنَّهم يَقومونَ في صَلاتِهم. ولا فَرْقَ بينَ الأصْلِىِّ والمُرتَدِّ في هذا؛ لأنَّ ما حَصَل به الإِسلامُ في الأصْلِىِّ، حَصَلَ به في حَقِّ المُرْتَدِّ، كالشَّهادتَينِ. فعلَى هذا، لو ماتَ المُرْتَدُّ، فأقامَ ورثَتُه بَيِّنَةً أنَّه صَلَّى بعدَ رِدَّتِه، حُكَمَ لهم بالميراثِ، إلَّا أنْ يَثْبُتَ أنَّه ارْتَدَّ بعدَ صلاتِه أو تكونَ رِدَّتُه بجَحْدِ فريضةٍ، أو كتابٍ، أو نَبِىٍّ، أو مَلَكٍ، أو نحوِ ذلك من البِدَعِ التي يَنْتَسِبُ أهلُها إلى الإِسلامِ، فإنَّه لا يُحْكَمُ بإسلامِه بصلاتِه؛ لأنَّه يعْتَقِدُ وُجوبَ الصلاةِ، ويَفْعلُها مع كُفْرِه، فأشْبَهَ فِعْلُه غيرَها. واللهُ أعلمُ.

فصل: وإذا أُكْرِهَ علي الإِسلامَ مَنْ لا يجوزُ إكْراهُه، كالذِّمِّىِّ والمُسْتأْمَنِ، فأسْلَمَ، لم يَثْبُتْ له حكمُ الإِسلامِ، [حتى يُوجَدَ منه ما يدلُّ على إسْلامِهِ طَوْعًا، مثل أن يثْبُتَ على الإِسلامِ] (١٦) بعدَ زوالِ الإِكْراهِ عنه. فإن ماتَ قبل ذلك، فحُكْمُه حُكْمُ الكُفَّار. وإن رجعَ إلى دِينِ الكُفْرِ، لم يَجُزْ قَتْلُه ولا إكْراهُه على الإِسلامِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ. وقال محمدُ بنُ الحسنِ: يصيرُ مسلمًا في الظَّاهِرِ، وإن رجعَ عنه قتِلَ إذا


(١٥) تقدم تخريجه، في: ٥/ ٣٦.
(١٦) سقط من: ب. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>