فصل: ويَصِحُّ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ بالبَيْعِ والشِّراءِ، فيما أذِنَ له الوَلِيُّ فيه. فى إحْدَى الرِّوايَتَيْنِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. والثَّانيةُ، لا يَصِحُّ حتى يَبْلُغَ. وهو قولُ الشّافِعِيِّ؛ لأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، أشْبَهَ غيرَ المُمَيِّزِ. ولأنَّ العَقْلَ لا يُمْكِنُ الوُقُوفُ مِنه على الحَدِّ الذى يَصْلُحُ بِه التَّصَرُّفُ؛ لخَفَائِه، وتَزايُدِه تَزَايُدًا خَفِيَّ التَّدْرِيجِ، فجَعَلَ الشّارِعُ له ضابِطًا، وهو البُلُوغُ، فلا يَثْبُتُ له أحكامُ العُقَلاءِ قَبْلَ وُجُودِ المَظِنَّةِ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}(٢٨). ومعناه؛ اخْتَبِرُوهم لتَعْلَمُوا رُشْدَهم. وإنّما يَتَحَقَّقُ اخْتِيارُهم بتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إليهم مِن البَيْعِ والشِّراءِ؛ لِيُعْلَمَ هل يُغْبَنُ أوْ لا. ولأنَّه عاقِلٌ مُمَيِّزٌ، مَحْجُورٌ عليه، فصَحَّ تَصَرُّفُه بإِذْنِ وَلِيِّه، كالعَبْدِ. وفارَقَ غيرَ المُمَيِّز، فإنَّه لا تَحْصُلُ المَصْلَحَةُ بتَصَرُّفِه؛ لعَدَمِ تَمْيِيزِه ومَعْرِفَتِه، ولا حاجَةَ إلى اخْتِيارِه؛ لأنه قد عُلِمَ حالُه. وقَوْلُهم: إنَّ العَقْلَ لا يُمْكِنُ الاطِّلَاعُ عليه. قُلْنا: يُعْلَمُ ذلك بآثارِ وجَرَيانِ تَصَرُّفَاتِه على وَفْقِ المَصْلَحَةِ، كما يُعْلَمُ فى حَقِّ البالِغِ، فإنَّ مَعْرِفَةَ رُشْدِه، شَرْطُ دَفْعِ مالِه إليه، وصِحَّةِ تَصَرُّفِه، كذا هاهُنا. فأمَّا إنْ تَصَرَّفَ بغيرِ إذْنِ وَلِيِّه، لم يَصِحَّ تَصَرُّفُه. ويَحْتَمِلُ أنْ يَصِحَّ، ويَقِفَ على إجازَةِ الوَلِىِّ. وهو قولُ أبى حَنيِفَةَ. ومَبْنَى ذلك على ما إذا تَصَرَّفَ فى مالِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، وقد ذَكَرْناها فيما مَضَى. وأمَّا غيرُ المُمَيِّزِ، فلا يَصِحُّ تَصَرُّفُه، وإن أذِنَ له الوَلِىُّ فيه، إلَّا فى الشىءِ اليَسِيرِ، كما رُوِىَ عن أبى الدَّرْدَاء، أنَّه اشْتَرَى مِن صَبِيٍّ عُصْفُورًا، فأرْسَلَه. ذَكَرَه ابنُ أبى موسى.
٧٦٩ - مسألة؛ قال:(وَمَا اسْتَدَانَ العَبْدُ، فهو فى رَقَبَتِه يَفْدِيهِ سَيِّدُه، أو يُسَلِّمُه، فإن جَاوَزَ ما اسْتدَانَ قِيمَتَه، لم يَكُنْ عَلَى سَيِّدِه أكْثَرُ من قِيمَتِهِ، إلَّا أنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِى التِّجَارَةِ، فَيَلْزَمُ مَوْلَاهُ جَمِيعُ ما اسْتدَانَ)