للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخَرَجَ عن العَهْدِ، كالمُصِيبِ، ولأنَّه صَلَّى إلى غيرِ الكَعْبَةِ للْعُذْرِ، فلم تَجِبْ عليهِ الإِعادَةُ، كالخَائِفِ يُصَلِّى إلى غيرِها، ولأنَّه شَرْطٌ عَجَزَ عنه، فأشْبَهَ سائرَ الشُّرُوطِ. وأمَّا المُصَلِّى قبل الوقتِ فإنَّه لم يُؤْمَرْ بالصلاةِ، وإنما أُمِرَ بعدَ دُخولِ الوقتِ، ولم يَأْتِ بمَا أُمِرَ، بخِلافِ مسأَلَتِنا، فإنَّه مأْمُورٌ بِالصلاةِ بغَيْرِ شَكٍّ، ولم يُؤْمَرْ إلَّا بهذه الصلاةِ، وسَائرُ الشُّرُوطِ، إذا عَجَزَ عنها، سَقَطَتْ، كذا ههنا، وأمَّا إذا ظَنَّ وُجُودَهَا فأخطأ، فليست في مَحَلِّ الاجْتِهَادِ، فنَظِيرُه: إذا اجْتَهَدَ في مسألتِنا في الحَضَرِ، فأخْطَأَ.

فصل: وإنْ بَانَ له يقِينُ الخطأ وهو في الصلاةِ، اسْتَدَارَ إلى جِهَةِ الكعبةِ، وبَنَى على ما مَضَى من صلاتهِ (١٢)؛ لأنَّ ما مضَى منها كان صحيحًا، فجاز البنَاءُ عليه، كما لو لم يَبِنْ له الخطأُ. وإنْ كانوا جماعةً، قد أدَّاهُم اجْتِهَادُهُمْ إلى جِهَةٍ، فَقَدَّمُوا أحَدَهم، ثم بَانَ لهم الخطأُ في حالٍ واحِدَةٍ، اسْتَدَارُوا إلى الجِهَةِ التي بَانَ لهم الصوابُ فيها، كبَنِى سَلَمَةَ، لمَّا بانَ لهم تَحَوُّلُ الكَعْبَةِ. وإنْ بانَ للإِمَامِ وحدَهُ، أو لِلْمَأْمُومِينَ دُونَه، أو لبَعْضِهم، اسْتَدَارَ مَنْ بانَ له الصَّوابُ وَحْدَهُ، ويَنْوِى بَعْضُهم مُفَارَقَةَ بَعْضٍ، إلَّا على الوجهِ الذي قُلْنَا، إنَّ لِبَعْضِهمْ أنْ يَقْتَدِىَ بمَنْ خالَفَهُ في الاجتهادِ. وإنْ كان فيهم مُقَلِّدٌ، تَبِعَ مَن قَلَّدَهُ، وانْحَرَفَ بانْحرَافِهِ. وإنْ قَلَّدَ الجَميعَ، لم يَنْحَرِفْ إلَّا بانْحرَافِ الجميعِ؛ لأنَّه شَرَعَ بدَلِيلٍ يَقِينِىٍّ، فلا يَنْحَرِفُ بِالشَّكِّ إلَّا مَن يَلْزَمُهُ تَقْليدُ أَوْثَقِهم، فإنَّه يَنْحَرِفُ بانْحِرَافِه.

فصل: (١٣) ولا فَرْقَ بين أن تكونَ الأدِلَّةُ ظَاهرَةً مَكْشُوفَةً فاشْتَبَهَتْ عليه، أو مَسْتُورَةً بغَيْمٍ أو شيءٍ يَسْتُرُهَا عنه، بدَلِيلِ الأحاديثِ التي رَوَيْنَاها، فإنَّ الأدلَّةَ اسْتَتَرَتْ عنهم بِالغَيْمِ، فلم يُعِيدُوا، ولأنَّه أتى بمَا أُمِرَ به (١٤) في الحاليْنِ، وعَجَزَ عن اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ في الموضِعَيْنِ، فاسْتَوَيَا في عَدَمِ الإِعادَةِ.


(١٢) في م: "الصلاة".
(١٣) هذا الفصل مقدم في م على ما قبله.
(١٤) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>