للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدَنِ مِثْلُهما، فيهما جَمالٌ ظاهرٌ، ومَنْفعةٌ كاملةٌ، فإنَّهما طَبَقٌ على الْفَم يَقِيَانهِ ما يُؤْذِيه، ويسْتُرانِ الأسْنان، ويَرُدَّان الرِّيقَ، ويَنْفُخُ بهما، ويَتِمُّ بهما الْكلامُ، فإنَّ فيهما بعضَ مَخارجِ الحروفِ، فتجبُ فيهما الدِّيَةُ، كاليدَيْنِ والرِّجْلين. وظاهرُ المذْهَبِ أنَّ في كلِّ واحدةٍ منهما نصفَ الدِّيَةِ. ورُوِىَ هذا عن أبي بكرٍ، وعلىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنهما (٣). وإليه ذهَبَ أكثرُ الفُقَهاء. ورُوِىَ عن أحمدَ، رَحِمَه اللهُ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّ في العُلْيَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، وفى السُّفْلَى الثُّلُثَيْنِ؛ لأنَّ هذا يُرْوَى عن زيدِ بنِ ثابتٍ (٤). وبه قال سعيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ، والزُّهْرِىُّ. ولأنَّ المَنْفعةَ بها أعظمُ، لأنَّها التي تَدُورُ، وتتحرَّكُ، وتحْفَظُ الرِّيقَ والطَّعامَ، والعُلْيا ساكِنَةٌ لا حركةَ فيها. ولَنا، قولُ أبى بكر وعلىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنهما، ولأنَّ كلَّ شيئَيْن وجَبَتْ فيهما الدِّيَةُ، وجبَ في أحدِهما نصفُها، كسائرِ الأعْضاءِ، ولأنَّ كلَّ ذى عدَدٍ وجَبتْ فيه الدِّيَةُ يُسَوَّى (٥) بين جَمِيعِه فيها، كالأصابعِ والأسْنانِ، ولا اعْتبارَ بزيادةِ النَّفْعِ، بدليل ما ذكرْنَا من الأصْلِ.

فصل: فإنْ ضربَهما فأشلَّهما، وجبَتْ دِيَتُهما؛ لأنَّه أتْلَفَ مَنْفعتَهما، فوجبتْ دِيَتُهما، كما لو أشلَّ يَدَيْه، وإنْ تقلَّسَتا فلم تنْطَبِقا على الأسْنانِ، [أو اسْتَرْخَتَا فصارَتَا لا تَنْفصِلان] (٦) عن الأسْنان، ففيهما الدِّيَةُ؛ لأنَّه عطَّلَ مَنْفَعتَهما وجَمالَهما. وإنْ تقلَّسَتا بعضَ التَّقْلِيسِ، وجَبت الحُكْومةُ؛ لأنَّ مَنافعَهما لم تَبْطُلْ بالكُلِّيَّةِ.

فصل: حَدُّ الشَّفَةِ السُّفْلَى من أسْفل ما تَجافَى عن الأسْنان واللِّثَةِ ممَّا ارْتَفع عن جِلْدة الذَّقَنِ، وحدُّ العُلْيا من فوق ما تَجافَى عن الأسْنان واللِّثَةِ إلى اتِّصاله بالمَنْخَريْن


(٣) أخرجه عن أبي بكر وعلى، عبد الرزاق، في: باب الشفتين، من كتاب العقول. المصنف ٩/ ٣٤٣. وأخرجه عن أبي بكر، البيهقي، في: باب دية الشفتين، من كتاب الديات. السنن الكبرى ٨/ ٨٨. وابن أبي شيبة، في: باب الشفتان ما فيهما، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ١٧٥.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة، في الباب السابق ٩/ ١٧٣.
(٥) في ب، م: "سوى".
(٦) في الأصل: "أو استرخيا فصارا لا ينفصلان".

<<  <  ج: ص:  >  >>