للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَرِيحَةٌ، والتَّخْصِيصُ في بعض الأحادِيث لا يُعَارِضُ العُمُومَ المُوَافِقَ له، بل يَدُلُّ على تَأَكُّدِ الحُكْمِ فيما خَصَّهُ، وقولُ عائِشةَ في رَدِّ خَبَرِ عمرَ غيرُ مَقْبُولٍ، فإنَّه مُثْبِتٌ لِرِوَايَتِه عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهى تقولُ بِرَأْيِها، وقولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أصَحُّ من قَوْلِها، ثم هي قد رَوَتْ ذلك أيضًا، فرَوَى ذَكْوَانُ مَوْلَى عائِشَةَ، أنَّها حَدَّثَتْه، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُصَلِّى بعد العَصْرِ، ويَنْهَى عنها (٧). رَوَاهُ أبو داوُد (٨)، فكيف يُقْبَلُ رَدُّها لما قد أَقَرَّتْ بصِحَّتِه، وقد رَوَاه أبو سعيدٍ، وعَمْرُو بن عَبَسَةَ، وأبو هُرَيْرَةَ، وابْنُ عمرَ، والصُّنَابِحِىُّ، وأُمُّ سَلَمةَ، كَنَحْوِ رِوَايَةِ عمرَ، فلا يُتْرَكُ هذا بمُجَرَّدِ رَأْيٍ مُخْتَلِفٍ مُتَنَاقِضٍ.

فصل: والنَّهْىُ عن الصَّلاةِ بعدَ العَصْرِ مُتَعَلِّقٌ بفِعْلِ الصَّلاةِ، فَمن لم يُصَلِّ أُبِيحَ له التَّنَفُّلُ، وإن صَلَّى غيرُه. ومن صَلَّى العَصْرَ فليس له التَّنَفُّلُ وإن لم يُصَلِّ أحَدٌ سِوَاه. لا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا عندَ مَن يَمْنَعُ الصَّلَاةَ بعدَ العَصْرِ. فأمَّا النَّهْىُ بعدَ الفَجْرِ فَيَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الفَجْرِ، وبهذا قال سعيدُ (٩) بن المُسَيَّبِ، والعَلاءُ بنُ زِيادٍ (١٠)، وحُمَيدُ بنُ عَبْدِ الرَّحمنِ (١١)، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. وقال النَّخَعِىُّ: كانوا يَكْرَهُونَ ذلك. يَعْنِى التَّطَوُّعَ بعد طُلُوعِ الفَجْرِ. ورُوِيَتْ كَرَاهَتُه (١٢) عن عبدِ اللهِ بْنِ عمرَ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرٍو. وعن أحمدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّ النَّهْىَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ أيضًا كالعَصْرِ. ورُوِىَ نحوُ ذلك عن الحسنِ، والشَّافِعِىِّ؛ لما رَوَى أبو


(٧) في أ، م: "عنه".
(٨) في: باب في من رخص في الركعتين بعد العصر إذا كانت الشمس مرتفعة، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود ١/ ٢٩٥.
(٩) سقط من: "الأصل".
(١٠) أبو نصر العلاء بن زياد بن مطر العدوى البصري، تابعى، ثقة، كان من عباد أهل البصرة وقرائهم. توفى في آخر ولاية الحجاج سنة أربع وتسعين. تهذيب التهذيب ٨/ ١٨١.
(١١) حميد بن عبد الرحمن الحميدي البصري، من فقهاء التابعين بالبصرة، قال ابن سيرين: هو أفقه أهل البصرة قبل أن يموت بعشر سنين. طبقات الفقهاء للشيرازي ٨٨. تهذيب التهذيب ٣/ ٤٦.
(١٢) في أ، م: "كراهيته".

<<  <  ج: ص:  >  >>