للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَشْمِيتَ العاطِسِ، وَرَدَّ السلامِ، والخَبَرُ محمولٌ على أنَّه يَتَخَيَّرُ من (١٤) الدعاءِ المَأْثُورِ وما أشْبَهَهُ.

فصل: فأمَّا الدُّعاءُ بِما يَتَقَرَّبُ بهِ إلى اللَّه عَزَّ وجلَّ ممَّا ليس بمأْثُورٍ، ولا يَقْصِدُ به مَلاذَّ الدُّنْيَا، فَظَاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ وجماعةٍ مِن أصحابِنا أنَّه لا يجُوزُ، ويَحْتَمِلُه كلامُ أحمدَ؛ لقولِهِ (١٥): ولكنْ يَدْعُو بما جاءَ وبما يَعْرِفُ. وحكى عنهُ ابْنُ المُنْذِرِ، أنه قال: لا بأسَ أنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوائِجِهِ؛ مِن حوائِجِ دُنْيَاهُ وآخِرَتِه. وهذا هو الصَّحيحُ، إنْ شاء اللَّه تعالى؛ لِظَوَاهِرِ الأحادِيثِ، فإِنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ"، وقَوْلُهُ: "ثُمَّ يَدْعُو (١٦) لِنَفْسِه بِمَا بَدَا لَهُ". وقَوْلُه: "ثُمَّ يَدْعُو (١٦) بَعْدُ بِمَا شَاءَ". وَرُوِىَ عن أنَسٍ، قال: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْم إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ: عَلِّمْنِى دُعَاءً أَدعُو بِهِ في صلاتِى. فقالَ: "احْمَدِى اللهَ عَشْرا، وسَبِّحِى اللهَ عَشْرا، ثُمَّ سَلِى مَا شِئْتِ". يَقُولُ: "نَعَمْ نَعَمْ نَعَمْ". رَوَاهُ الأثْرَمُ، ولأنَّ أصْحابَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانُوا يَدْعُونَ في صلاتِهم بما لم يَتَعَلَّمُوه، فلم يُنْكِرْ عليهم النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولهذا لمَّا قالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلرَّجُلِ: "مَا تَقُولُ فِي صَلَاتِكَ؟ " قَالَ: أَتَشَهَّدُ، ثم أسألُ اللهَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بهِ مِن النَّارِ. فَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في دُعَائِه ذلك مِنْ غَيْرِ أنْ يكونَ عَلَّمَهُ إِيَّاه، ولَمَّا قَالَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ" (١٧). لم يُعَيِّنْ لهم ما يَدْعُونَ به، فيَدُلُّ (١٨) على أنه أباحَ لهم كُلَّ الدُّعَاءِ، إلَّا ما خرجَ منه بالدَّلِيلِ في الفَصْلِ الذي قبلَ هذا، وقد رُوِىَ عن عائشةَ، أنَّها كانتْ إذا قرأَتْ: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا


(١٤) في م: "في".
(١٥) في الأصل: "وقوله".
(١٦) في الأصل: "ليدعو".
(١٧) تقدم في صفحة ١٨١.
(١٨) في م: "فقال".

<<  <  ج: ص:  >  >>