للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كعْب. قال الزُّهْرِىُّ: أوَّلُ من أعْطى الجِزْيَةَ أهلُ نَجْرانَ، وكانُوا نَصارَى. وأحذ الجِزْيَةَ من أُكَيْدِر دُومَةَ، وهو عَرَبِىٌّ. وحُكْمُ الجِزْيَةِ ثابِتٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ، فى كلِّ كتابِىٍّ، عَرَبِيًّا كان أو غيرَ عَرَبِىٍّ، إلَّا ما خُصَّ به بنو تَغْلِبَ، لمصالَحَةِ عمرَ إيَّاهُم، [ففى مَن] (١٧) عداهم يَبْقَى الحُكْمُ على عُمومِ الكتابِ وشَواهِدِ السُّنَّةِ، ولم يكُنْ بينَ غيرِ بنى تَغْلِبَ وبين أَحَدٍ من الأئِمَّةِ صلحٌ كصُلْحِ بنى تَغْلِبَ، فيما بلَغَنا، ولا يَصِحُّ قياسُ غيرِ بنى تَغْلِبَ عليهم؛ لوُجُوهٍ؛ أحدُها، أَنَّ قياسَ سائِرِ العرَبِ عليهم يُخالِفُ النُّصوصَ التى ذكرْناها، ولا يصِحُّ قياسُ المنصوصِ عليه على ما تَلْزَمُ منه مُخالَفَةُ النَّصِّ. الثانى، أَنَّ العِلَّةَ فى بنِى تَغْلِبَ الصّلْحُ، ولم يُوجَدِ الصُّلْحُ مع غيرِهم، ولا يصِحُّ القياسُ مع تَخَلُّفِ العِلَّةِ. الثالث، أَنَّ بنى تَغْلِبَ كانُوا ذَوِى قُوَّةٍ وشَوْكَةٍ، لحِقُوا بالرُّومِ، وخِيفَ منهم الضَّرَرُ إنْ لم يُصالَحُوا، ولم يُوجَدْ هذا فى غيرِهم. فإنْ وُجِدَ هذا فى غيرِهم، فامْتَنَعُوا من أداءِ الجزْيَةِ، وخِيفَ الضَّرَرُ بتَرْكِ مُصالَحَتِهم، فرأَى الإِمامُ مُصالَحَتَهم على أداءِ الجِزْيَةِ باسْمِ الصَّدَقَةِ، جازَ ذلك، إذا كان المَأْخوذُ منهم بقَدْرِ ما يجِبُ عليهم من الجِزْيَةِ أو زيادَةً، [وذكر هذا أبو إسحاق صاحبُ "المُهَذَّبِ"، فى كتابِه. والحُجَّةُ فى هذا قِصَّةُ بنى تَغْلِبَ، وقياسُهم عليه] (١٨). قال علىُّ بن سعيد: سمِعْتُ أحمدَ يقول: أهلُ الكتابِ ليس عليهم فى مَوَاشيهِم (١٩) صَدَقَةٌ، ولا فى أموالِهم، إنَّما تُؤْخَذُ منهم الجِزْيَةُ، إلَّا أن يكونُوا صُولِحُوا على أَنْ تُوخَذَ منهم، كما صَنعَ عمرُ بِنصارَى (٢٠) بنى تَغْلِبَ، حين أضْعَفَ عليهم الصَّدَقَةَ فى صُلْحِه إيَّاهم، إذا كانوا فى مَعْناهم، أمَّا قِياسُ مَنْ لم يُصالَحْ عليهم، فى جَعْلِ جِزْيَتِهم صَدَقَةً، فلا يصحُّ. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: وإذا اتَّجَرَ نَصْرانِىٌّ تَغْلِبِىٌّ، فمرَّ بالعاشِرِ، فقال أحمدُ: يُؤْخَذُ منه العُشْرُ ضِعْفُ ما يُؤْخَذُ من أهلِ الذِّمَّةِ. وروَى بإسْنادِه، عن زِياد بنِ حُدَيْرٍ، أَنَّ عمرَ بعَثَه


(١٧) فى ب، م: "ففيما".
(١٨) جاء فى أ، ب، م: بعد قول: "فى صلحه إياهم" الآتى.
وانظر المهذب ٢/ ٢٥٠.
(١٩) فى الأصل: "رءوسهم".
(٢٠) فى م: "فى نصارى".

<<  <  ج: ص:  >  >>