للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أحمدُ: ما تُعْجبُنى شَهادةُ الجَهْمِيَّةِ، والرَّافِضةِ، والقَدَرِيَّة المُغْلِيَةِ (٢٧). وظاهرُ قولِ الشَّافعىِّ، وابنِ أبى ليلى، والثَّوْرىِّ، وأبى حنيفةَ وأصحابِه، قَبولُ شَهادةِ أهلِ الأهْواءِ. وأجازَ سَوَّارٌ شَهادةَ ناسٍ مِن بنى العَنْبَرِ، ممَّن يَرَى الاعْتزالَ. [قال الشَّافعىُّ] (٢٨): إلَّا أن يكونوا ممَّن يَرَى الشَّهادةَ بالكَذِبِ بعضُهم لبعضٍ، كالخَطَّابِيَّةِ، وهم أصحابُ أبى الخَطَّابِ (٢٩). يَشْهدُ بعضُهم لبعضٍ بتَصْديقِه. ووَجْهُ قولِ مَن أجازَ شهادتَهم، أنَّه اخْتِلافٌ لم يُخرِجْهم عنِ الإسْلامِ، أشْبَهَ الاخْتِلافَ فى الفُروعِ، ولأنَّ فِسْقَهم لا يَدُلُّ على كَذِبِهم؛ لكَوْنِهم ذهبُوا إلى ذلك تَدَيُّنًا واعْتِقادًا أنَّه الحقُّ، ولم يَرْتكِبُوه عالمِينَ بتَحْريمِه، بخلافِ فِسْقِ الأفْعالِ. قال أبو الخَطَّابِ: ويَتخرَّجُ على قبولِ شهادةِ أهلِ الذِّمَّةِ بعضِهم على بعضٍ، أنَّ الفِسْقَ الذى يتدَيَّنُ به مِن جهَةِ الاعْتِقادِ لا تُرَدُّ الشَّهادةُ به. ورُوِىَ (٣٠) عن أحمدَ جَوازُ الرِّوايةِ عن القَدَرِىِّ، إذا لم يكُنْ داعِيَةً، فكذلك الشَّهادةُ. ولَنا، أنَّه أحدُ نَوْعَىِ الفِسْقِ، فتُرَدُّ به الشَّهادةُ، كالنَّوعِ الآخَرِ؛ ولأنَّ المُبْتدِعَ فاسقٌ، فتُرَدُّ شهادتُه، للآيةِ والمَعنَى. الشرطُ الخامسَ، أن يكونَ مُتيقِّظًا حافظًا (٣١) لما يَشْهَدُ به، فإن كان مُغَفَّلًا، أو مَعْروفًا بكثرةِ الغلَطِ، لم تُقْبَلْ شهادتُه. الشرطُ السادسُ، أن يكونَ ذا مُروءَةٍ. الشرطُ السابعُ، انْتفاءُ المَوانعِ. وسَنشْرحُ هذه الشُّروطَ (٣١) فى مَواضعِها، إن شاء اللهُ تعالى.

فصل: ظاهرُ كلامِ الْخِرَقىِّ، أنَّ شهادةَ البَدَوىِّ على مَن هو مِن أهلِ القَرْيَةِ، وشهادة أهلِ القَرْيَةِ على البَدَوِىِّ، صحِيحَةٌ إذا اجْتمَعتْ هذه الشُّروطُ. وهو قولُ ابنِ سيرِينَ، وأبى حَنيفةَ، والشَّافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ. واختارَه أبو الخَطَّابِ. وقال الإمامُ أحمدُ: أخْشَى أنْ لا تُقْبَلَ شَهادةُ البَدَوىِّ على صاحبِ القَرْيَةِ. فيَحْتَمِلُ هذا أن لا تُقْبَلَ شهادتُه. وهو قولُ


(٢٧) فى أ، ب، م: "المعلنة".
(٢٨) سقط من: الأصل.
(٢٩) أبو الخطاب محمد بن أبى زينب الأسدى الأجدع، مولى بنى أسد، من الغالين، زعم أن الأئمة أنبياء ثم آلهة، ولما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث دعوته قتله. الملل والنحل ١/ ٣٨٠، ٣٨١.
(٣٠) فى م: "وقد روى".
(٣١) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>