للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخائنِ والخائنةِ أماناتِ النَّاسِ، بل جميعَ ما افْترضَ اللهُ تعالى على العبادِ القيامَ به أو اجْتِنابَه، مِن صغيرِ ذلك وكبيرِهِ، قال اللهُ تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} الآية (٢٠). ورُوِىَ عن عُمرَ، رضىَ اللهُ عنه، أنَّه قالَ: لا يُؤْسَرُ (٢١) رَجلٌ بغيرِ العُدولِ (٢٢). ولأنَّ دِينَ الفاسِقِ لم يَزَعْه عن ارْتِكاب مَحْظوراتِ الدِّينِ، فلا يُؤْمَنُ أن لا يَزَعَه عن الكَذِبِ، فلا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بخبرِه. إذا تَقرَّرَ هذا، فالفُسوقُ نوعانِ؛ أحدُهما، مِن حيثُ الأفعال؛ فلا نَعْلَمُ خِلافًا فى رَدِّ شهادتِه. والثانى، من جهَةِ الاعْتقادِ، وهو اعتقادُ البدْعةِ، فيُوجِبُ رَدَّ الشَّهادةِ أيضًا. وبه قالَ مالكٌ، وشَرِيكٌ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وَأبو ثَوْرٍ. قال (٢٣) شَرِيكٌ: أربعةٌ لا تجوزُ شهادتُهم؛ رَافِضِىٌّ يَزْعُمُ أنَّ له إمامًا مُفْترَضَةٌ طاعَتُه. وخارِجىٌّ يزْعُمُ أنَّ الدنيا دارُ حَربٍ. وقَدَرِىٌّ يَزْعُمُ أنَّ المشِيئَةَ إليه. ومُرْجِئٌ. وردَّ شهادةَ يعقوبَ (٢٤)، وقال: ألا أردُّ شهادةَ [قومٍ يَزْعُمونَ] (٢٥) أنَّ الصَّلاةَ ليستْ مِن الإيمانِ؟ وقال أبو حامدٍ (٢٦)، مِن أصحابِ الشَّافعىِّ: المُخْتَلِفونَ على ثلاثةِ أضْرُبٍ؛ ضَرْبٌ اخْتَلفوا فى الفُروعِ، فهؤلاء لا يُفَسَّقُون بذلك، ولا تُرَدُّ شَهادتُهم، وقد اخْتَلَفَ الصَّحابةُ فى الفروعِ ومَن بعدَهم مِن التَّابعينَ. الثانى، مَن نُفسِّقُه ولا نُكفِّرُه، وهو مَن سَبَّ الْقَرَابةَ، كالخَوارِجِ، أو سَبَّ الصَّحابةَ، كالرَّوافِضِ، فلا تُقْبَلُ لهم شهادةٌ لذلك. الثالث، مَن نُكفِّرُه، وهو مَن قال بخَلْقِ القرآنِ، ونَفْىِ الرُّؤْيَةِ، وأضافَ المَشِيئةَ إلى نفسِه، فلا تُقْبَلُ له شَهادةٌ. وذكرَ القاضى أبو يَعْلَى مِثلَ هذا سواءً. قال:


= تجوز شهادته، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٩٢. والإمام أحمد، فى، المسند ٢/ ٢٠٤، ٢٠٨، ٢٢٥.
(٢٠) سورة الأحزاب ٧٢.
(٢١) أى: لا يحبس.
(٢٢) أخرجه مالك، فى: باب ما جاء فى الشهادات، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٢٠. والبيهقى، فى: باب لا يجوز شهادة غير عدل، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى ١٠/ ١٦٦. وابن أبى شيبة، فى: باب ما ذكر فى شهادة الزور، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف ٧/ ٢٥٨.
(٢٣) فى الأصل، م: "وقال".
(٢٤) لم نعرف من المقصود بيعقوب. وشريك من رجال القرن الأول.
(٢٥) فى م: "من يزعم".
(٢٦) أبو حامد أحمد بن محمد الإسفراينى، شيخ طريقة الشافعية بالعراق، توفى سنة ست وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى ٤/ ٦١ - ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>