للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَضْمُونَ له على الضَّامِنِ، فاسْتَوْفَى منه مَرَّةً ثانيةً، رَجَعَ على (٢٧) المَضْمُونِ عنه بما قَضاهُ ثانيا؛ لأنَّه أَبْرَأَ به ذِمَّتَهُ ظَاهِرًا. قال القاضِى: ويَحْتَمِلُ أنَّ له الرُّجُوعَ بما قَضَاهُ أَوَّلًا دونَ الثاني؛ لأنَّ البَراءَةَ حَصَلَتْ به في البَاطِنِ. ولأصحابِ الشَّافِعِىِّ كهذيْنِ الوَجْهَيْنِ وَجْهٌ ثالثٌ، أنَّه لا يَرْجِعُ بشيءٍ بحالٍ؛ لأنَّ الأوَّلَ ما أَبْرأَهُ ظَاهِرًا، والثانىَ ما أَبْرأَهُ بَاطِنًا. ولَنا، أنَّ الضَّامِنَ أَدَّى عن المَضْمُونِ عنه (٢٨) بإذْنِه إذا أَبْرَأَةُ ظَاهِرًا وبَاطِنًا فرَجَع به، كما لو قَامَتْ به البَيِّنَةُ. والوَجْهُ الأَوَّلُ أَرْجَحُ؛ لأنَّ القَضاءَ المُبْرِئَ في الباطِنِ ما أوْجَبَ الرُّجُوعَ، فيَجِبُ أن يَجِبَ بالباقِى المُبْرِئ في الظَّاهِرِ. وإن اعْتَرَفَ المَضْمُونُ له بالقَضَاءِ، وأنْكَرَ المَضْمُونُ عنه، لم يُلْتَفَتْ إلى إنْكَارِهِ؛ لأنَّ ما في ذِمَّتِه حَقٌّ لِلمَضْمُونِ (٢٩) له، فإذا اعْتَرَفَ بالقَبْضِ من الضَّامِنِ، فقد اعْتَرَفَ بأنَّ الحَقَّ الذي له صَارَ لِلضَّامِنِ، فيَجِبُ أن يُقْبَلَ إقْرَارُهُ، لكَوْنِه إقْرَارًا في حَقِّ نَفْسِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يُقْبَلَ؛ لأنَّ الضَّامِنَ مُدَّعٍ لما يَسْتَحِقُّ به الرُّجُوعَ على المَضْمُونِ عنه، فقولُ المَضْمُونِ له شَهَادَةٌ على فِعْلِ نَفْسِه، فلا يُقْبَلُ. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ، وشَهادَةُ الإِنْسَانِ على فِعْلِ نَفْسِه صَحِيحَةٌ، كشهادَةِ المُرْضِعَةِ بالرَّضَاعِ، وقد ثَبَتَ ذلك بِخَبَرِ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ (٣٠).

فصل: ولا يَدْخُلُ الضَّمانَ والكَفالةَ خِيارٌ؛ لأنَّ الخِيارَ جُعِلَ لِيُعْرَفَ ما فيه الحَظُّ،


(٢٧) سقط من: الأصل.
(٢٨) سقط من: م.
(٢٩) في أ، م: "المضمون".
(٣٠) وذلك ما روى عن عقبة بن الحارث أنه قال: تزوجت امرأة، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت: أرضعتكما، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: إني قد أرضعتكما. وهى كاذبة. فأعرض عنه، فأتيته من قبل وجهه قلت: إنها كاذبة. قال: "كيف بها وقد زعمتْ أنها قد أرضعتكما، دعها عنك".
أخرجه البخاري، في: باب تفسير المشبهات، من كتاب البيوع، وفى: باب شهادة المرضعة، من كتاب النكاح. صحيح البخاري ٣/ ٧٠، ٧/ ١٣. والترمذي، في: باب ما جاء في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، من أبواب الرضاع. عارضة الأحوذى ٥/ ٩٣. والدارمى، في: باب شهادة المرأة الواحدة على الرضاع، من كتاب النكاح. سنن الدارمي ٢/ ١٥٧. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٧، ٣٨٤. وعبد الرزاق، في: باب شهادة امرأة على الرضاع، من كتاب النكاح. المصنف ٧/ ٤٨١، ٤٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>